رحلتي مع البروفيسور المتواضع

رحلتي مع البروفيسور المتواضع

  •  حامد سلامة مجحود

 الجزء الاول

كان أول لقاء في زاوية الشارع أعتقد كان اسم الشارع  ( خالد بن الوليد) في كندا كان السنوسي طالب دكتوراه ومحاضرا في نفس الجامعة درسني عدة مواد منها طرق تدريس وطرق بحث واكتساب وتعلم اللغة الثانية أتذكر أنّ ذاك اليوم كانت معدتي تؤلمني لازلت أتذكر لقاءنا تبادلنا السلام كان خجولاً بشوشاً كنت كلما رأيته أتذكر قول الشاعر:

ملأى السنابل تنحني بتواضع… و الفارغاتُ رؤوسُهن شوامخ

كان يميل للنظرية التواصلية لتعلم اللغة أتذكر كلمته الشهيرة “نحن لا ندرس للامتحان نحن ندرس للتعلم” قال أيضا الامتحان لا يهمني لأنه لا يقيم طالبا وما أدراني أن ذاك الطالب المجتهد قد أستيقظ في منتصف ليلة الامتحان على صراخ أخته وفقد أبيه أو أنّ أمه مريضة وأصبح يراجع المنهج عند غرفة الطوارئ والعناية الفائقة.

بالنسبة لي لا أستطيع تقييم مستوى طالب بامتحان فقط والامتحان هو إجراء شكلي يقدم للجامعة فقط.

أخبرني أنه يحترم الطالب كونه إنسان وأنه بالنسبة له لا يرى للمعرفة قيمة ولا للغة قيمة ولا للمعلومة قيمة ما يرى له قيمة هو رغبة الطالب للتعلم وانه يجب ان يتم احترام تلك الرغبة ثم أضاف قائلا: لا يوجد قيمة للأستاذ إلا بوجود طلبة وإلاّ فهو لن يشرح للجدران أو يتكلم للطاولة ولا للكرسي حيث إنها لا يمكن أن يتم تدريسها وهذه الصفة لا توجد إلا عند الإنسان.

رن هاتفه فاستأذن مني وذهب في طرف المكان ورد بصوت منخفض نعم أهلا أمي نعم …. نعم …… حاضر …. أعتذر منك لم أتصل بك الأسبوع الماضي لأنني كنت في مؤتمر عالمي عن تطور اللغة واندثارها وتأثر التعليم بأزمة كورونا.

أنهى المكالمة بقوله حاضر موعدنا الاثنين الساعة العاشرة مساء قرب( مكتبة طارق بن زياد) تحياتي

رجع إليّ وتبادلنا أطراف الحديث وأخبرني أنّ المتصل كان (المزاج الجيد) استغربت! ولكن لم أعر الأمر انتباهي ثم أخذ كل منا طريقه وذهب لأعماله الخاصة.

ذهبت لمحل بيع العسل يقولون أنه جيد للمعدة ثم أخذت سيارة أجرة إلى الشقة.

السنوسي أتصل بي بعد عشر دقائق  يلتقط أنفاسه قال ألم تجد ظرفا في المكان الذي كنّا فيه فقلت له لم أنتبه ولكن أنا قريب من المكان سأتأكد ثم سألته عما مكتوب على الظرف قال لي: (السلام الداخلي) ذهبت مسرعاً لانّ من خلال صوته واضح أن الأمر مهما جدا وطارئا وجدت الظرف أتصلت به قال : شكراً جزيلاً لك.

بعد عدة أسابيع ألتقينا في مقهى الجامعة حيث  أخبرنا في أول محاضرة أنه سيكون متواجدا للإجابة على أي سؤال لنا يومي السبت والثلاثاء ، ثم  واصل قائلا هناك شيئا لم أستطع أن أنساه “إنّ أي شخص لم يجد من يستمع إليه فأنا سأكون في الموعد ما لم يأخذ الله أمانته “وأن هذا روتينه منذ أكثر من عشرين سنة.

لم يتغيب حتى في وفاة جدته وعندما سألته عن سر ذلك قال لي هذا واجبي لأن الدولة هي من قامت بتعليمي و توجيهي وإيفادي لدراسة اللغة الانجليزية في بريطانيا وها أنا الآن موفد إلى كندا  لنيل درجة الدكتوراه كل هذا بفضل الله ثم بلادي فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان! 

أليس واجبي أن ألبي طلب الطلبة على الاقل لأني كنت طالباً ذات يوم.

السنوسي أستلم رئاسة القسم في فترة معينة ولكن بعد أسبوع قال لهم خذوا مفاتيح القسم فلم أجد نفسي هناك … أعطوني قاعة وطلبة….حيث أجد نفسي مع طلابي….. التدريس يعني لي الكثير …. قاطعته أخبرني عن التدريس  فلربما أصبح محاضر يوما ما من يدري!

قال لي :

تريد أن تخلق علاقات جديدة قم بالتدريس

تريد طاقة إيجابية قم بالتدريس

تريد طاقة سلبية قم بالتدريس

تريد أن تشعر بالفرح قم بالتدريس

تريد أن تشعر بالحزن قم بالتدريس

تريد أن تحصل على المال قم بالتدريس

تريد تحديا جديد قم بالتدريس

تريد أن تجتاز مرحلة الخوف قم بالتدريس

تريد تقديم الخير قم بالتدريس

تريد أصدقاء جدد قم بالتدريس

ببساطة التدريس حرفة، إتقانها يأتي مع الايام والممارسة والتعديل وتقبل النقد.

التدريس يفتح لك أبوابا ليس لها حدود.

ظللت صامتا في كلامه شيء وقع في قلبي كما تقع بذرة في بركة ماء

تبتل

تستقر

و تنمو وتخضر

فالماء حياة.

وقلت له أنت متطوعا  لمدة يومين في الاسبوع وكل يوم ساعة أنت على هذا الروتين منذ حوالي عشرين سنة حتى عند وفاة والدتك في ثالث ليلة من العزاء كنت متواجد ما السر وراء ذلك يا ترى؟

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :