تَنّوَه ” ما يشبه ترسب التجارب والمعرفة ”
- سعاد سالم
في 2012 على ما أذكر كان هناك مشروع لكتاب مدرسي يضع بعض مفرداته أو موضوعاته شعراء وكتاب، إلتقيت بعضهم وقتها ،وهم من أخبروني بذلك أذكر منهم الشاعرين عبدالسلام العجيلي، وسالم العوكلي، كانت الحماسة والسعادة تنسكب فوق تلك الجلسة البعيدة، من أن التغيير بدأ ولن يتوقف على النظام السياسي ، وبرغم التنظيرات التي تغلّب السياسة باعتبارها أساس التغيير، غير أنه وفي رأيي مابدأ به روسو كان هو الطريق الوحيد لضمان تغيير لا يتوقف عن التغيير، إنه العقد الاجتماعي والذي صار اسمه دستور، إنه عقد لإدارة المجتمع بما فيها الشق السياسي، ولكن عقد اجتماعي يعني أن تتطور أفكار الناس وعقلية الفرد،وأن يعتاد احترام نفسه كسلوك منضبط في مجتمع حديث. لهذا انطفأت تلك الحماسات التي أوقدت في مقهى فندق باب البحر ،بعدما انطفأت تاليا العناوين والمفردات والموضوعات في الكتب المدرسية، وفي قلوب الشعراء.
ولأنه في يقيني أن كل لحظة مناسبة لنقل القدم خطوة للأمام أؤمن أيضا بالأداة المناسبة لأنه وفي حالة الرجِّلين،والخَطوة، إنما يسبقها قبل كل شئ إرادة الشخص في التحرك، مايعني أن كل الجسم يعمل على تحقيق هذه الإرادة بالفرضية الاقتصادية من تباث العوامل الأخرى أي سلامة كل من الجسد والدماغ. ولتتم الخطَوة اللي تصير في فمتو ثانية* بهذه الدقة والتعقيد، بهذه الصورة: تتلقى القدم أوامر محددة للمشي من خلال الإشارات الدقيقة المرسلة من المنطقة المسؤولة عن المشي في الدماغ، فيُنظِّم الجهاز العصبي الأنماط المعقدة للحركة من خلال إرسال إشارات متزامنة إلى العضلات المتعاونة لحدوث التنسيق الصحيح بينها، فيمكن للجسم المشي بشكل سلس وفعال، و حسبما أرى أنا كاتبة المقالة أن الأوامر هنا ،هى الإسم الفسيولوجي للإرادة.
لذا أنظر اليوم إلى مقولة كان يرددها دكتور الاقتصاد مصطفى سليمان من السودان في محاضراته الممتعة في كلية المحاسبة، من (أن الشعوب المتخلفة ستبقى متخلفة لأنها متخلفة) بفهم أعمق لأن إرادة التغيير شرط أساس في إحداث التغيير، وليس اعتبارها كما قد يتصور من تقرأ/يقرأ أنها عدمية بل هى تشخيص لغياب الإرادة، لأن دائما نعتقد كعامة أننا أضعف من أن نحدث التغيير، و أن : الله غالب (الليبية) ، ولكن هذا مانظنه في أنفسنا، لأن كل ماتفعله أجسادنا إنما تعطينا أمثلة عملية عن قوة وتأثير الإرادة، بما فيها كتابتي هذه وقراءتكِ وقراءتكَ لها.
الأوامر أو الإرادة :
خود الميكروفون
أخر مظاهرة شاركت فيها كانت في ميدان الجزائر ، قبل مانجلى في 2014 وكانت ضد الالتفاف على الكوتا أي عن حجم تمثيل النساء في البرلمان، ولكن كما دائما أجد نفسي وسط حشود وهتافات لا صلة لها بموضوع المظاهرة ،ولا نية فيها لإثارة قلق السلطة التي من المفترض التظاهر ضد قراراتها التى نراها غير عادلة ،مضرة أو أي تصنيف آخر، ومن اللافت وقتها أن من ضمن المحتشدات بالتساتميل وأعلام الإستقلال والغضب، أعضاء من كيان اسمه (تمكين المرأة)، حين أخبرت إحداهن أنه من المفترض أن نهتف ضد الجسم لفلاني، لأنه هو سبب السلاطة ،قالتلي( لا مانقدروش نجبدوه هذا الجسم)، لكن هذا داكم اللي يوجع فيكم، أتلّفتت ودخلت في حشد التساتميل وأعلام الاستقلال، وتركتني للبحر أرفع مرساتي وألقيها*
فما عدا مظاهرات نظمناها في 2013 كعامة لا نتجاوز الخمصطاش نفر ونفرة ، كان صوتي مع الخمصطاش هو هتاف محدد ،مركز، ويبدو خطيرا ، لأنه وقتها أحاطت بنا عناصر من الشرطة في لباسها الأزرق الشتوي القنيّن نفسه، ومنعت بعض الصحافيين الأجانب ،طبعا المحليين حاشاهم ،منعتهم من الاقتراب منّا، كنّا في جزيرة ميدان الجزائر، نهتف ونرفع لافتاتنا النارية وظللنا فرجة لبعض المارة دون أن ينضم إلينا أحد، وظللنا أيضا صورا على صفحات فيسبوك نُنعث بشتى وأحط أنواع التشنيع والتنمر وحتى التحريض علينا كإناث خصوصا وهذا كعادة وممارسة شعبية لواحدة من هوايات الشنابات الليبية.
ولكن قبل ذلك حينما مازالت اطرابلس وميدانها ساحة أشبه بهايد بارك اللندنية، اصعد فوق الخشبات المنصوبة هناك وقل ما تشاء، ظل المثقفون بعيدا جدا، ينتظرون دعوتهم للبرامج الحوارية، أو للندوات التلفزيونية، وكان هذا ممكنا لفترة قصيرة قبل أن يصبح ظهور مثقفين وعلى أختلاف أيدلوجياتهم ،على أي تلفزيون للتحدث للناس أمرا مستحيلا، وهكذا فقد أي متنور أو عارف سبيلا للناس، مع كثرة وعلو ميكروفونات التكبير والتهليل بالأشخاص لا الأفكار، وتحويل الساحات وأغلب إن لم يكن كل محطات الراديو والتلفزيون بمذيعيها وضيوفها ومحاوريها إلى معركة مش معاي ضدي، كما طغت المزايدات على دين الناس ، ودخل التكشيخ عالنساوين الليبيات في باب جمع الحسنات.
ومع هذا المبادرة هى سمة العارف..لاتنتظر من يدعوك، المايك زي الحرية لن يعطيه لك أحد، تلّه.
إمشي في الأسواق
مفهوم النضال المعرفي هو كل مايشير إلى النضال السلمي والمبدع وذلك باستخدام الفنون والحرف التقليدية للتعبير عن المطالب والقضايا الاجتماعية والسياسية. يعتبر النضال المعرفي وسيلة فنية للمقاومة والتغيير ،وللتعبير عن الرأي والتحرك ضد الظلم والقمع.
كنت اقترحت أن ننشر ما يقال هنا ،وذلك تحت الشمس وبين الناس، حينما حضرتُ ندوة في مركز المحفوظات التاريخية في 2012على ما أذكر فيما كانت هايد بارك الطرابلسية، أعني التي كان من الممكن أن تكون لو أن المجتمعين في هذا المبنى البديع ، و يتحدثون مع أنفسهم زي أي مربوعة رجالّة، صعدوا على خشباتها وهدرزوا عالناس بما يمكن أن يحدثه التغيير في حياتهم، ماشكل المجتمع حسب ما تقدمه كتب أساتذة علم الاجتماع من الليبيين، بتوسيع ادراك هؤلاء العطشى للحقوق والثقة في النفس، الذين ينتظرون تصورا لمشاريع الحياة، قبل أن يتحولوا في ذلك الميدان إلى فئتين شهداء مفترضين أو أحياء ومن الفرقة الناجية، هكذا وفي لحظة غفلة أيها المثقف، الغارق أنت أيضا في التصنيفات والشللية، والغارقة كتاباتك وسلوكك في الذكورية، غَرقِت في الصمت ، أو ربما في التعالي ، أو أنك أخذت مفردة النخبة من سياقها وجعلتها تميزاً وليست مسئولية النضال بمواصلة المشي مع ما قرأت وعلمت بين الناس ،واستخدام مفرداتهم، ولأنه عمره ما يفوت أوان التعلّم ، مازال بإمكانك التأثير ، لأن الناس يضيقون بالنفاق الذي تفرضه على حياتهم أي قوة إغْشيمة، ومن أنهم يمارسون حريتهم في الخفاء ، والتي من مسئوليتك أن تجعلهم يجهرون بها.
وكن كالماء لا ينفذ صبره ولا حيله في نحت الطريق إلى وجهته، ثم سيتدفق ،وهذا تصوري الوحيد لمفردة النخبة، إن كنت حقا منهم.
________
*فيمتو ثانية = وحدة قياس للزمن تساوي جزء واحد من مليون مليار جزء من الثانية.
* من نص لنزار قباني.