بقلم :: أسماء جزائري
تعطيكَ النساء القويات حقناً أخرى لأجل أن لا تدع أيّ عارض ينهك عزيمتك ، ذلكَ أنّه في تجريبنا الإقتراب من الموت نعرفُ قيمة اللاشيء ، نحن لسنا إلا غرابيل والحياة ليست إلا مياه تنساح بين الثقوب ، يعطيني المرضى عزيمة مضاعفة دائماً لخوض المزيد من الحياة ، لا في قضاء أغلب وقتي في الدعاء للنجاة من الأخطاء والتذرع للجنّة ، أعلم جيداً أنّه لا يكفي أن تؤدّي فروضكَ على أكمل وجه لتتقرب من الله ، التّقرب إليه لن يكون إلا عبر تواصلك مع خلقه وتقربكَ منهم لا بالإنعزال والإنزواء عنهم وشحن الظنون عن طريقة حياتهم ، الحياة تدار من جانب الوقوع في الخطأ لتجريب متعة النّدم في فعل ما يمكنك فعله لتصليحه ،ومنه تصليح ذاتك وما حولكَ ، بالمختصر المشاركة في هذه الحياة التّي ستودعها يوماً ، لن ترى الله في السماء إن لم تره في عيون الضعفاء من المرض والفقر وأولئك الذين نلتقيهم داخل سيارات الأجرة ، أو في المطارات حين نتأخر عن طائرتنا أو تتأخر عنا ، يجلسون كأنهم يريدون التخلص من آلامهم دون خوف مع غريب ، يبكون كالأطفال ثم يغادرون طاولتك إلى الأبد .. كأنّما طرف منا مات ، في عيون هؤلاء يسكن الله الحقيقي وترك لك على بريد أجسادهم رسالة .
اليوم حين وضعت يدي على صدر إحداهن لأتحسس بتر أمومتها كما قالت لي ، قلت لها ستظلين جميلة ويدي ترتجف كأنّما أضعها على جرح عميق أكثر من ذلك الأثر الذي تركه مشرط الطبيب كعلامة على أن الموت إقترب من هنا وعضّك لكنّك إنتصرت عليه في إنقاد ما تبقى منك .
تبكي صديقي لا على ثديها بل من تلك التجربة التّي وضعتها في خانة المحتضرين إلى أن ينجح شيء ما في إستبدالها لأخرى ، ثمّ ننفجر ضحكاً الحياة لهؤلاء تحتاج لمن يضحكُ لا لمن يشعرهم بدنو موتهم ، لم يسبق لي أن التقيت مريضاً لنجرّب معاً مسألة البكاء هذه المقيتة ، نحن نعلم أننا حين نفترق سيبكي كلّ منا لوحده وهذا يكفي لنضحك الآن ،
إنّهنّ يغنين مساء كل الأغنيات الحزينة ، يطلين أياديهن بالحنّة ثم يضعن الكحل في قلب عيونهن النابضة رغم إنهاك الكيماوي . .
القويات هنّ الضاحكات من قوّة الألم