لامبيدوزا

لامبيدوزا

شعر :: أحمد بشير العيلة

إلى شهداء الهجرة غير الشرعية

هو البحرُ يعرفُ كيف تموتُ الجيادُ

ويعرفُ كيف تكون النهاياتُ عبئاً عليه

يعرفُ كيف يُعيدُ الحكايا إلى نقطة الموتِ

كانوا هناكَ بأوطانهم

توابيتَ تمشي على الحبلِ

بين الرجاءِ وبين التعلّقِ بالعمر

ويا عُمْرُ

كيفَ تجيئُ إلى لامبيدوزا

وتدفن بين الشواطئ عمرَك

وكيفَ تبيعُ ثيابكَ في زورقٍ لا يصل؟!

هنا لامبيدوزا

أَحَبُّ المقابرَ للذاهبين إلى حافة الكون

ألذُّ المقابرَ للمشتهينَ حياةً وراء الحياة

أخفُّ المقابرَ للتاركين منازلهم في الأغاني

وأسرعها في الوصولِ إلى اللاهناك..

هنا لامبيدوزا

طريقتهم في اختراعِ الحُلُم

وقدوتهم في ابتكار الجسور إلى سدرةِ المنتهى

حقيقتهم حين ضاعوا بأحيائهم في سيولِ الهناك

وفي نقطةٍ في المياه

تكدّسَ جيلٌ بأكملهِ

هو الحشدُ ظِلُّ الفجيعة

صار يطفو على حزنهِ الأبدي طويلاً

يموجُ على نبضهِ الوطني طويلاً

يطُوفُ على لامبيدوزا طويلاً

ويحكي طويلاً

ويبكي طويلاً

وفي لحظةِ الموتِ ينُسى طويلاً.

هنا لامبيدوزا

تجيءُ لتلتهمَ الأمنياتِ

تمرُّ لتُعْلِمَهم باشتهاء المماتِ

تنادي عليهم

وهم يركضونَ على سطحِ ماءٍ غريبٍ عليهم

فيبكي الحمامُ على ساعديهم

يطيرُ

وهم يركضون

ينادي

أن ابتعدوا عن جنون الجنون

وهم يركضون …..

هنا امرأةٌ عانقت زوجَها حين قالوا:”غرقنا”

وطفلٌ يعلِّقُ عينيهِ في نقطةٍ في الفراغ

ليكتشفَ الموتَ وحدَه

هنا رجلٌ أمسكتهُ يدا أمِّهِ حين غاب

هنا هاربٌ عالقٌ في الرُّهاب

هنا البشريُ أسيرُ الغياب

هنا عالمٌ مثقَلٌ في الضباب.

هنا لامبيدوزا

تمرُّ عليهم حين يصيرون ذكرى

تفتّشُ سُتراتهم عن خرائطَ للرحلةِ الآخرة

عن ملامح من يرجعون من الموت

عن صورِ الأهلِ وهم يبحثون عن الموتِ في الموت.

هنا لامبيدوزا

تُعَرِّفُهم واحداً واحدا

وتعلنهم واحداً واحداً

وتعشقهم واحداً واحدا

هنا لامبيدوزا

تحاول أن تستعيرَ من الموتِ أسماءهم

تُسمي سماها بأسمائهم

تحاول أن تحفظ الأمنياتِ بمعجم مَنْ يذهبون

هنا لامبيدوزا

أَحَبُّ المقابر

ألذُّ المقابر

أخفُّ المقابر

لمن يعبرون …

الصورة المرافقة من BBC

أكليل من الزهور ألقي على روح العديد من المهاجرين غير الشرعيين الذين لقوا حتفهم عند شواطئ لامبيدوزا والذين كانوا يحاولون عبور البحر المتوسط إلى أوروبا.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :