لفساد كهواية

                         لفساد كهواية

  • سعاد سالم

تَنّوَه ” ما يشبه ترسب التجارب والمعرف ”

أيعقل أن يكون لفساد هواية ؟

في صيغة المخاطب أو الغائب سمعنا جميعنا هذا التعبير :مغلا عليك/ عليه لفساد! هذا التعبير الدارج في لغوتنا للإشارة تحديدا  للفساد كشيء أثير عند البعض، ويمارسونه بالتعنّي، وبصرف النظر عن التحليلات النفسية للخلفية التي أوجدت هذا النوع من الأشخاص اللي غالي عليهم لفساد، يمكّننا هذا التعبير من الجزم بأن المجتمع الليبي الزّمني عثر على هذه الهواية واشمئز منها، لأن مغلا عليه/عليك/عليهم/عليكم لفساد ولا شك تعرفون ،تقال مصحوبة بانفعالات الاشمئزاز والنفور وأقلها الاستنكار عليه فالجواب : نعم .

ومع ذلك، فإنه يجب علينا الاعتراف بأن هناك جانبًا آخر للهوايات، وهو الجانب المظلم الذي يمكن أن يتضمن أنشطة غير أخلاقية، مثل الفساد ،هواية يمارسها  أشخاص عاديون ، أعني أفرادا ربما من مجتمع أي واحد منّا، زملاء، جيران، أصدقاء،أو أفراد من العائلة ، كما قلت ناس عاديين ليسوا سياسيين ، ناس تشعر أنه لا سلطة لديها لتغير شيئا في العالم ولا ترى جدوى إلا في البحث عما يسعدها هذه اللحظة بما في ذلك لحظة لفساد ،وتحميهم عاديتهم تلك من أن يوصموا بالعار أو بالمرض كشأن المجرمين والمرضى النفسيين،ولا تظهرهم تقارير الفساد.

حسنا ،يبدو وكأنني أتناول سيناريو رعب، في الحقيقة أنا أفعل ذلك ،وأرجو أن ترونه من هذه الزاوية، ربما حينها يمكننا كأفراد فهم لغة الفساد، بل ونتدرب على شمه ، لمحاصرة هذه الهواية غير الملفتة للنظر  بعد ، لعلنا بذلك نترك النخب الفاسدة دون أكباش فداء،أو تقليل عددها كلما ارتفع وعينا بمعنى الفساد، وبطرح الأسئلة اللي تحلحز بُنية لفساد،وهذا الأهم.

ماهو الفساد؟

نظنه الأرقام المهدورة من المال العام على الخواص، وكل ما يحزننا حقا هو انمحاء الفصل بين الخزينة العامة والحسابات الشخصية، هذا يحدث ويظل يحدث، ولن توقفه أغلبية مستفيدة ليس من المال الفاسد، بل من نظام الفساد،وأعني تحديدا غياب القانون لضعف سلطات انفاذه، أو لأنه لم ينجُ من الفساد ،هذه هي مشكلتنا الأساسية في ليبيا، فالفساد يحدث وسيظل يحدث دائما وفي كل مكان،ولكن ما يحدث الفرق هو وجود عواقب حتمية ليس فقط للفساد بل ولشبهة الفساد أي كان نوعه،مالي ،إداري، اجتماعي ،بيئي، ومهما كانت صفة من مارس الفساد أو مكانته.

لفساد الذي أقصده يتشكل في التفاصيل الصغيرة التي يراها أغلبنا ماليهاش علاقة،فالفساد جلل والمليارات تتناطر بعيدا عنّا، ولكن الحقيقة ليس ثمة فساد مالي لم يبدأ بفساد أخلاقي، وبالتقليل من قيم أخلاقية كانت إلى زمن قريب قانون اجتماعي، ولو دفعت بها النخب سرعان ماتتحول إلى دستور ، أعني لم تخلق القوانين أولا، بل وجد واقع خلقها وطورها وحسنها فيما بعد لتواكب ارتفاع مستوى الوعي الإنساني.

 ولكن ما هو الفساد؟

 في كليمتين إنه الاحتكار،والاستحواذ سواء مارسته الدولة ككيان سياسي وعبر نظامها الاقتصادي ، أو مارسه الأفراد في نظام اجتماعي لا ينبذ الفاسدين بل يحولهم إلى وجهاء.

بعض حكايات لفساد

هولندا 2023من الأخبار التي كشفتها الصحافة، أن ثمة أشخاص يعرضون رشاوى على موظفين في البلديات لتحريك مواقعهم على قائمة الانتظار للمستحقين للبيوت، ما عُدّ أمرا غير مقبول، ذلك لأن هذا الفعل (إحلال شخص مكان شخص آخر) فساد لايمكن التسامح معه، لأنه يهدد مفهوم العدالة وتكافؤ الفرص، وكما اتفقنا الفساد يبدأ بنقل اسم في قائمة استحقاق من رقم 2 إلى رقم 1.

ليبيا 2023 تستمر عقلية التنقيز في الأملاك الخاصة و مبدأ الاستيلاء تحت مختلف المسميات ، حدث في البيت لساكنه ، وفي موجة الزحف في الثمانينات،و التطهير في التسعينات، وفي 2010 بالهجوم على شقق مصرف الادخار و 2011 على بيوت ¨الأزلام¨ و¨الأنصار¨، وانتشار حيازات الأملاك المقدسة من العمارات للبيوت المتداعية للمباني التاريخية رغم التعويضات التي حصل عليها أغلبهم في الألفينات التي شكلت بدورها مافيا التعويضات للأملاك المصادرة بالقانون رقم 4 سيئ الصيت ،ثم في 2014 ومابعدها من استيلاء على  أملاك المعارضين و¨الدواعش¨،وهكذا ، لكل تسميته الخاصة  للفساد.

 مقاومة لفساد

لن يكون القضاء على الفساد في مصلحة الأفراد في المجتمع الليبي، لأن الواسطة، وتوظيف الأقارب لا لاعتبارات الكفاءة ،والحصول على مكان شخص آخر حتى في طابور بنك أو بنزينة ،وفي كرسي الطيارة،وفي علاج مريض في مستشفى عام،وفي الحصول على امتيازات الوظائف العليا ،،إضافة للعنف والتحرش ،والتحيز والتمييز حتى من قبل منفذي القانون،يستلزم أن يكون المواطن الليبي المنخرط فيما ذكر أعلاه مكشوفا من الحماية الاجتماعية وطبعا القانونية التي لا تطبق الآن، ولكن مقاومة الفساد ستكون من مصلحة المجتمع ككل بإجراء بعض التعديلات في الوعي وفي  السلوك الشخصي ، أما محاربته على المستوى العام والأعلى يجب أن يبدأ بطرح الأسئلة الجادة والشجاعة علنا وبإصرار المستحق  :

– كيف لم تتغير القوانين المقيدة للحريات ولتشكيل الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني ؟ ومن المسئول عن إبقاء قوانين الجماهيرية على حالها؟

– كيف ظلت البنية التحتية للاتصالات والمواصلات بهذا السوء، وأن لا يوجد حتى الآن أي مشروع للمواصلات العامة ؟ وكيف تحتكر وحتى اللحظة شركتي المدار وليبيانا خدمات الإنترنت وفي 2023 تستمر الشكاوى من  ضعف التغطية،وغلاء الأسعار، ووين تمشي فلوس الشركتين ؟

– كيف وحتى هذه اللحظة لايوجد تأمين صحي لجميع المواطنين والمقيمين كاجراء إلزامي كما الحال في تأمين السيارة، كيف بعد كل هذا الوقت على التغيير المفترض لاتزال حياة الناس وصحتهم الجسدية والنفسية  أقل قيمة من السيارة.

– لماذا سعر الدولار لم يعد إلى مستواه القديم دينار = 30 قرش ، مالذي تغير؟ الدولة الريعية مازالت على حالها، تبيع النفط والغاز وتستورد كل شيء ، إضافة إلى القضاء على القطاع الخاص ،تخفيض قيمة العملة الليبية (في التسعينات دينار وصل للثلاثة ونص )كان فعلا حاسما في منهجة الفساد وخلق السوق الموازية التي تنتج بالضرورة طبقة فاسدة تستحوذ على  حقنا جميعا في الثروة، وفي لبلاد وتغتال مشروع الدولة.

لدى أرى أن الأسئلة المناسبة هى التي تنهي حالة الاستغفال والتشتيت، وهى التي تنتج ثورة وتحدد أهدافها،وهتافاتها بضرورة اسقاط نظام الفساد، وسيسقط الفاسدون تلقائيا.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :