ليبيات متزوجات بأجانب “القوانين تعاقبنا على خياراتنا في الحياة “

ليبيات متزوجات بأجانب “القوانين تعاقبنا على خياراتنا في الحياة “

خلود الفلاح – بنغازي

بدأت سهام وهي أم لأربعة أبناء (بنتين وشابين) ومتزوجة منذ 20 عاما حديثها بتنهيدة طويلة ”كم تمنيت أن أعيش كأية مواطنة ليبية لديها الحق في تعليم أبنائها دون أن تضطر لدفع رسوم مالية على كل ملف تقدمه للمدارس الحكومية، أبنائي لا يحملون الجنسية الليبية، ولا أوراق ثبوتية لهم، ولا قدرة لي على دفع مصاريف الدراسة الجامعية”.

لماذا يمتلك الرجال وحدهم حق منح جنسيتهم لأبنائهم؟ ولماذا تحرم النساء من هذا الحق؟

مجيبة على هذا السؤال تقول الحقوقية الليبية جازية شعيتير، عضو هيئة التدريس بكلية القانون في جامعة بنغازي “يكتسب الأبناء منذ الولادة في ليبيا جنسية الأب، وقانون الجنسية الليبي لم يوجب منح جنسية الأم بل جعل الأمر جوازياً”

. ثغرة قانونية

وتلفت جازية إلى أنه يتحتم على الليبيات المتزوجات من أجنبي المطالبة بتعديل قانون الجنسية رقم (24 ) لسنة 2010، ولائحته التنفيذية.

والذي نصت المادة (11) منه على أنه ”يجوز منح أولاد المواطنات الليبيات المتزوجات من غير اللليبين الجنسية الليبية، وتحدد اللائحة التنفيذية الضوابط اللازمة لتنفيذ هذه المادة“.

تفسر جازية اللائحة التنفيذية ورقمها 594 لسنة 2010، بقولها ”إن نصوص المادتين السادسة والسابعة من اللائحة تتعلق بسنّ الرشد ابتداءً.

وأنه لا يجوز منح الجنسية لهم ما لم يكونوا بالغي سن الرشد إلا إذا كان الوالد متوفياً أو مفقوداً بحكم القانون. أما الراشدون البالغون فتمنح لهم الجنسية الليبية بعد طلبها، وبعد موافقة الوالدين والجهة المختصة بقطاع الشؤون الاجتماعية على الزواج“.

وتضيف ”جاء في اللائحة أيضاً تمييز صريح بحظر منح الجنسية الليبية لأبناء المواطنات الليبيات المتزوجات من فلسطينيي الجنسية“.

ليس حلاً

هذا التفصيل في اللائحة لا يحل مشكلة أمينة التي واجهت أسرتها وقررت الزواج بشاب سوري الجنسية، فهي تقول ”في البداية رفض أهلي هذا الزواج لأن المتقدم للزواج مني لم يكن ليبياً، ومع إصراري قبلوا الأمر، كنت سعيدة بهذا الزواج وعشت حياة مستقرة حتى مرض زوجي واضطررت للخروج للدوائر الحكومية، وجدت أن لا حقوق لأولادي في بلدي، بسبب القوانين الظالمة يتم معاقبتنا على اختياراتنا في الحياة“.

طفلا أمينة يدرسان في المرحلة الابتدائية بدون أوراق ثبوتية مثل الرقم الوطني والذي تتم أغلب الإجراءات الرسمية الإدارية به، وحتى لو تمكنوا من المطالبة بجنسيتهم بعد بلوغهم سن الرشد ستعاني أمينة كثيراً حتى يتمكنوا من دفع مصاريف تعليمهم، بحزن تقول ”هل يعقل أني لا أتمكن من علاج أبنائي في المستشفيات الحكومية فقط لأنهم أجانب“.

رئيسة الجمعية العمومية لمنظمة ”حقي“ ـ وهي منظمة محلية أسستها حقوقيات ليبيات ـ خديجة عبدالله البوعيشي ترى أنه “من حق المرأة اختيار شريك الحياة، وهو حق لا داعي لتبريره لكي تتم ممارسته، والمفترض أن لا يترتب على هذا الاختيار أي أثر سلبي، كأن يفقد شخص ما حقوقه لأنه قرر أن يختار زوجاً أو زوجة من جنسية أخرى، فهو يبقى أو هي تبقى مواطنة تتمتع بكافة حقوق المواطنة دون تمييز”.

سياسات تمييزية

وتؤكد خديجة أن الإشكالية تكمن في السياسات الإدارية التمييزية وفي اللوائح التنفيذية، وترى أن اللائحة التنفيذية لقانون الجنسية وضعت قيوداً كثيرة جعلت من المستحيل لأبناء الليبية الحصول على جنسية والدتهم.

وأشارت إلى التمييز الذي تفرضه سياسات الرقم الوطني حيث أنه يتم تجميد الرقم الوطني لليبية المتزوجة بأجنبي، ويحل محله رقم إداري يفرض أن يكون على مستنداتها ختم قسم الأجانب في السجل المدني محرضة على ضرورة الطعن في هذه السياسات باعتبارها سياسات تمييزية ضد المرأة.

تعتقد جازية أن الدستور أهم من قوانين الزواج والطلاق والجنسية، وترى أن دستور الملكية كان مثاليا بشأن الجنسية، أما مشروع مسودة الدستور للعام 2017 لم يكن مثالياً في هذا الصدد وشجعت النساء المتضررات من هذه الفجوة التشريعية بقولها ”لابد من المطالبة بنص دستوري يقضي أن الحق في الجنسية لأبناء الليبيين والليبيات حق دستوري، ولا يجوز للقانون انتقاصه، أو أن يضع شروطا تقيده“. جذور اجتماعية هذا التعنت الذي تمارسه السلطات الليبية في التعامل مع هذا الحق له جذور اجتماعية حسب رأي جازية ، والتي تعتقد أن الخلفية القبلية من أهم أسباب الإحجام عن منح الجنسية في ليبيا، فالقبيلة تبقى إطاراً اجتماعياً ذو حضور كبير. ووفق هذه الخلفية، تُعتبر المرأة التي تتزوج من خارج القبيلة أنها انسلخت عنها لتنتمي إلى القبيلة التي تزوجت من أحد أبنائها.

وهم ينكرون تالياً على هذه المرأة حقها في الميراث خشية تملك زوجها الغريب لأراضي ومزارع العائلة أو القبيلة ومن منظور أوسع ينطبق الأمر على الأجنبي وبتمييز أشد.

ولعل نظرة سريعة على نتائج المسح الشامل للقيم لسنة 2013 في ليبيا يكشف بوضوح أن الأمر برمته ثقافي واجتماعي أكثر من كونه سياسي أو قانوني أو حتى ديني. فالأغلبية الساحقة من الليبيين بحسب المسح تثق في الأسرة.

وأغلبية عالية منهم تثق في المعارف الشخصية. بالمقابل لا تثق أغلبية عالية في من يعتنق ديناً آخر أو يتحدث لغة أخرى أو في من يقابلونه لأول مرة أو في من ينتمون إلى جنسيات أخرى.

وشددت المواثيق الدولية على أن الجنسية حق، ولا يجوز أن يكون هناك شخص عديم الجنسية، حيث اقتضت الاعتبارات الإنسانية الاعتراف بحق كل إنسان في أن يكون له جنسية، وهذا هو جوهر نص المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948م)، كما نصَّت المادة 24/3 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي كانت ليبيا صادقت عليه دون تحفظات في العام 1970م، على أن “لكل طفل حق في اكتساب جنسية” كما قضت المادة 3 من العهد بواجب الدول في كفالة تساوي الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في العهد.

عن دور وفعالية المؤسسات المدنية في مساعدة هؤلاء النساء تقول خديجة البوعيشي ”إن الإشكالية الرئيسية التي تواجهنا هي عدم استجابة صناع القرار لحملات التوعية والمناصرة التي نقوم بها كما أن استجابة الرأي العام أيضا تجاه القضية ضعيف جداً، ولعل أبرز أسباب هذا قلة وعي الشارع بحقوق المواطنة بشكل عام“.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :