- المهدي يوسف كاجيجي
الأستاذ عيسى رمضان القبلاوى، هو واحد من رجال الاقتصاد والتخطيط في ليبيا، والباحث في سيرة الرجل الذاتية سيعرف أنه خريج كلية التجارة بجامعة القاهرة، قسم اقتصاد. واصل دراساته العليا بعد ذلك في جامعة مانشستر البريطانية، وجامعة هارفارد الامريكية المشهورة. تقلد عدة وظائف منها رئاسة القسم الاقتصادي بمجلس الإعمار ،ومديرا مسئولا عن الشئون الاقتصادية والاجتماعية بوزارة التخطيط، ووكيلا مساعدا بوزارة النفط ثم وكيلا لها، ورئيسا للهيئة الفنية للتخطيط ثم وزيرا للتخطيط، ساهم في إعداد أكثر من خطة خمسية وكان مشاركا شرسا في المفاوضات الخاصة بالأسعار مع شركات النفط بعد سقوط النظام الملكي، ترك العمل الحكومي وعمل كمستشار اقتصادي لعدد من المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية.
التوظيف ما بين الخبرة والولاء
يقول الأستاذ عيسى: تقدمت لوظيفة بمجلس الإعمار، وكان موعدي مع السيد عبدالرازق شقلوف رئيس المجلس رحمه الله، استقبلني الرجل ببشاشة وترحيب، وعندما أنتهيت من تقديم السيرة الذاتية أنتفض من وراء مكتبه، وتقدم نحوي فاردا زراعيه، وعانقني بشدة مرددا :ما شاء الله، أحمد الله الذى مد في عمري لأرى أبناء ليبيا يتخرجون من الجامعات العالمية، ويملكون من الخبرات التي تعوضنا عن سنوات الشقاء والفقر. كانت الدموع ترقرق في عينيه، ومن اللحظة الاولى داعبني باسم ” عويسا” وهو تصغير لأسم عيسي، وظل يناديني به حتى مماته، وكان كلما يحضر شخص لزيارته في وجودي كان يخجلني في التقديم، كان يبدوا كأب فخور بأبنائه.
عندما أستلم الأباء المؤسسون السلطة بعد الاستقلال، كانوا على دراية بأنهم بحاجة لتكوين كوادر وظيفية خبيرة متعلمة لإدارة الدولة، وكان الاختيار يعتمد على الخبرة والكفاءة ، وبالتالي فتح الباب على مصراعيه للجميع، بدون وساطة ولا محسوبية. وعندما سقط النظام الملكي، كانت الخطيئة الكبرى للنظام الجديد هو اختيار “عناصره القيادية” تبعا للولاء وليس اعتمادا على الخبرة ولكن ولحسن الحظ ظل الجهاز الوظيفي للدولة يعمل من منطلق الولاء “للدولة الليبية” وليس “للنظام الحاكم”. مما ساعد على استمرار الدولة حتى وان استمرت تدار بطريقة شكارة الفئران وتقلباتها المتواصلة تبعا لمزاجية الحاكم الفرد.
مذبحة العزل السياسي
عند سقط نظام سبتمبر، اختلف الأمر، لم تكن الأمور عفوية، كان هناك حالة من التربص والتحضير المُسبَق للاستيلاء على الدولة والتحكم بمفاصلها، وكان قانون العزل السياسي هو التتويج للمؤامرة المخطط لها بهدف تفريغ الدولة من كوادرها الإدارية وخبراتها الوطنية، تكريسا وتحضيرًا للانتقال لمرحلة الفوضى العارمة والنهب والسلب للوصول إلى الدولة الفاشلة،وهذا ما يحدث الآن .
أيها السادة، المشهد الليبي الحالي لا يبشر بالخير، وبدون إدارة مدربة ومتعلمة لن يكون هناك أمل في عودة الدولة الليبية التي نحلم بها. وحتى الأن ليبيا لم تعقم بعد، لا زال لديها من الخبرات على كل المستويات المحلية والدولية، مما تم اقصاؤهم ظلما، ولدينا فى عواصم الدنيا العشرات من الخبرات الشابة، الذين هم على استعداد لتقديم خبراتهم للوطن، الذي يحملونه في جيناتهم وقلوبهم.
* الصورة: السيد عبدالرزق شقلوف رحمه الله – الاستاذ عيسي رمضان القبلاوي اطال لنا فى عمره.