المهدي يوسف كاجيجي
لم يعد للأيام طعم، ولا للحياة معنى، فى بلد تحول بكامله لمصحة للأمراض العقلية. لم يعد من بيننا عاقل واحد يدرك ماذا يجرى حولنا ؟ ويخبرنا بحقيقة ما الذي يدور بيننا ؟. من يحارب من ؟، ومن يقاتل من ؟ من هو العدو ؟ ومن هو الصديق ؟ من اى رحم خبيث ولدنا ؟ ومن أى ثدى ملعون رضعنا ؟ وإلى اين تقودنا جبال وتلال الكراهية والحسد والبغضاء المتراكمة فى نفوسنا، والمستوطنة في قلوبنا ؟ اعمتنا اطماعنا، ففقدنا البصر والبصيرة، فقدنا الولاء لأوطاننا، وتحصّنا وراء الاجنبى فى قتال بعضنا البعض، ففقدنا القرار، ودخلنا فى حرب خاسرة للجميع، لا غالب فيها ولا مغلوب. وطن تشرذم وتقسمت مناطقه ومدنه إلى دويلات وطوائف، معلنة فيها الحرب محددة لساعات الصفر معلنة كل منها حالةالنفير العام على بعضها البعض.حرب العلم الواحد، يرفرف علينا وتحت لوائه يقاتل الأخ أخاه، فى معارك تدار على ارضنا لحساب الغير . هل يخبرنا أحد عن هؤلاء الذين يجوبون عواصم الدنيا ؟ رافعين راياتنا، ناطقين بأسمائنا، مزورين لتوقيعاتنا، باسم شرعية منتهية الصلاحية. مستخدمين اختامنا المسروقة بالتوقيع على اتفاقيات الموت والإبادة لشعبنا التعيس.هل يخبرنا أحد لمن يتبعون ولمن بولائاتهم ينتمون ؟ أى وطن تعيس هذا الذى ابتلاه الله بهذا العقوق. الأوطان لا تقايض، فالدنيا بما عليها من مباهج لا تساوي ذرة رمل واحدة من تراب الوطن. هذا ليس كلام إنشاء، ولكنه حقيقة.عن حرب إعلامية، جُنّد وجهّز لها واستخدم فيها كل الوسائل المتاحة، من قنوات فضائية وصفحات اليكترونية، تحمل اسم ليبيا، تنطلق وتُمَولّ وتدار من عواصم مختلفة، متنافرة متحاربة، وتطل علينا كرؤوس من الافاعى مبشرة بالكذب والنحيب تجر ورائها الموت والخراب.ايها السادة، انا انتمى إلى جيل غربت شمسه، وامتد ظله، ينطبق عليه المثل الشعبى القائل : ” رجله فى الركاب ” ،كل ما احلم به فيما تبقى من العمر، ان أعيش فى وطن يرفرف السلام على ارضه، وطن ورثته عن اجدادي، وأورثه من بعدى لاحفادى، وعندما ارحل يشيعني أهلى واحبتي. وطن أدفن فى ترابه ويتذكرنى اهله فيه بالرحمة .ايها السادة لا بديل للأوطان مقايضة بكل كنوز الدنيا، فالغربة مرة ولن يعرفها إلا من عاشها، وفى ارضك أنت السيد ألم يقول المثل :” اللى يعرف بوك ما يلعن جدك ” وأموال الدنيا لن تعطيك قوة ” العزوة ” ودفء القربي.والحسد والكراهية وما يجري الان نتائجه مدمرة وحصاده كارثة. والاستعانة بألاجنبي والاحتماء خلفه ضد بعضنا البعض هو تدمير للوطن الذى لا بديل له.رحم الله الاستاذ عبد الحميد البكوش، الشاعر والحقوقى والسياسي، واصغر رئيس وزراء فى تاريخ الدولة الليبية الحديثة، والمعارض الشرس. المعتبر نموذجا لكثير من الرجال الذين أنجبهم الرحم الليبي الطاهر، ظل يناضل لآخر لحظة من عمره، رافضا كل العروض والمغريات التى قدمت اليه، من أجل المهادنة والمقايضة بالصمت فقط،فلم يصمت، ومات ودفن فى ارض غريبة وهو يردد:
أنا أهواك يابلدي�لأنك لست لي وحدي
�فحضن الأم ما أحلاه مزدحما�
كعش النحل بالولد�وحتى عندما ادفن
�فلن أحزن�لان أحبتي والأهل فى بلدى
�سيبكونى�ولن ينسوا بأنى من روائحهم
�احب روائح الورد�فيلقوا فوق جثمانى اكاليلا من الورد
رحمه الله، لا زال جثمانه ينتظر العودة إلى ارضه، حيث ترفرف روحه فى انتظار أكاليل الورد. وليرحمنا الله من غباؤنا ومن ما هو قادم.* الصورة: من الصور الكثيرة المتداولة على صفحات التواصل، ( الموت تحت علم واحد )