كتب :: المستشار :: ناجي ابو القاسم
الكثير يتساءل عن وضع ليبيا لدى المحكمة الجنائية الدولية وهل هي دولة عضو في المحكمة أم لا؟ وهل تعتبر قرارات المحكمة من مذكرات قبض صادرة من النائب العام صحيحة أم تدخل في الشؤون الداخلية ؟ للإجابة عن هذه التساؤلات أولاً يجب علينا معرفة ماهي المحكمة الجنائية الدولية واختصاصاتها ومن ثم ننتقل إلى معرفة وضع ليبيا في هذه المحكمة .
إذًا المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة تأسست بموجب ميثاق روما بتاريخ 17 يوليو 1998م.وافقت على هذا الميثاق 120 دولة في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في إيطاليا ، في حين عارضت (7) دول وامتنعت (21) دولة عن التصويت ، ودخلت هذه الاتفاقية حيز النفاد في 1 يوليو 2002م. حيث وصل عدد الدول الأعضاء فيها ما يقارب 183 دولة في سنة 2018م ، وتضم المحكمة (18) قاضياً تنتخبهم الدول الأعضاء لمدة (9) سنوات ، حيث يتوجب على القاضي البقاء في منصبه حتى إتمام أي محاكمة أو استئناف إذا كانت قد بدأت المحاكمة بالفعل ، ومقر المحكمة (لاهاي) ولكن يمكن للمحكمة أن تعقد المداولات في أي مكان آخر وفي أي دولة وذلك عن طريق توصية بتغيير مكان انعقاد المحكمة من قبل ادعاء المحكمة أو من الدفاع أو أغلبية قضاة المحكمة وتحتاج المحكمة إلى موافقة الدولة التي سيتم فيها انعقاد الجلسة ، وتعتبر المحكمة الجنائية الدولية محكمة مستقلة من الناحية القانونية والوظيفية عن منظومة الأمم المتحدة ، إلا أن هناك تعاوناً بين المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن الدولي إما برفع دعاوى أو إحالة الحالات الجنائية التي لا تدخل إلا تحت اختصاص المحكمة .
ماهي الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ؟
ج/ كما نصت المادة (5) من ميثاق روما أنه يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضوع اهتمام المجتمع الدولي بأسره وللمحكمة بموجب النظام الأساسي اختصاص النظر في الجرائم التالية :
1ـ جريمة الإبادة الجماعية : وتعني حسب تعريف ميثاق روما القتل أو التسبب بأذى شديد بغرض إهلاك جماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية إهلاكا كلياً أو جزئياً.
2ـ الجرائم ضد الإنسانية : وهي أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في نظام روما ، إذا ارتكبت بشكل منظم و ممنهج ضد مجموعة من السكان المدنيين مثل: القتل والإبادة والاغتصاب والابعاد والنقل القسري والتفرقة العنصرية والاسترقاق .
3ـ جرائم الحرب : وتعني الخروقات المرتكبة بحق اتفاقية جنيف لسنة 1949م. وانتهاك قوانين الحرب في نزاع مسلح دولي أو داخلي مثل : قتل الأسرى تعتبر جريمة حرب .
4 ـ جريمة العدوان : حيث أن هذه الجريمة لم يحدد معايير معينة لاعتبار أي جريمة يطلق عليها لفظ (عدوان) ولم يتفق المجتمع الدولي على ايجاد تعريف متفق علية لهذه الجريمة وبالرغم من ذلك اعتبرها ميثاق روما جريمة تدخل في اختصاص المحكمة . ـ بعد أن عرفنا متى تأسست المحكمة وتبعيتها واختصاصاتها ننتقل إلى الفقرة الثانية المتعلقة بوضع ليبيا لدى المحكمة الجنائية الدولية .
من المعروف أن ليبيا ليست عضواً في ميثاق روما بشأن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ، ولكن بموجب قرار مجلس الأمن (1970) أحيل الوضع في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية حيث اعتبرت بموجب هذا القرار جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب أو العدوان المرتكبة من تاريخ 15 فبراير 2011م.
تدخل في نطاق اختصاص المحكمة ، ويعتبر هذا القرار ملزما لليبيا بالتعاون الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية حيث يشمل هذا التعاون الامتثال لقرارات وطلبات المحكمة ، وبالرغم من كل ما ذكر فإن المحكمة الجنائية الدولية تعمل بمبدأ التكامل والخطورة ويقصد بالتكامل كما هو موضح في ميثاق روما أن المحكمة ماهي إلا مكملة للقضاء الوطني حيث أن الدعوى تعتبر غير مقبولة إذا كانت الدولة قادرة على محاكمة المتهمين بارتكاب الجرائم التي تدخل في نطاق اختصاص المحكمة ، وتنظر المحكمة لتحديد مدى عدم قدرة الدولة بسبب انهيار كلي أو جوهري لنظامها القضائي الوطني أو بسبب عدم توافره ، أو غير قادرة على إحضار المتهم والحصول على الأدلة والشهادة الضرورية أو غير قادرة لسبب آخر على الاضطلاع بإجراءاتها ، وهذا ما أكدته المادة (17) من ميثاق روما والتي وضحت المسائل المتعلقة بالمقبولية . إن ما حدث من تخبط في الدولة الليبية من حيث قدرتها على محاكمة بعض المطلوبين لدى المحكمة وعدم قدرتها على محاكمة البعض أدى بدوره إلى وجود مثل هذه المطالبات بين الحين والآخر، وبالتالي إجابة على التساؤل الذي طرح في بداية حديثي تعتبر مذكرات القبض الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية صحيحة وذلك استنادا على قرار مجلس الأمن (1970) المتعلق بإحالة ملف ليبيا إلى المحكمة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته