لعله يجب علينا معرفة ماذا يفعل رسولنا الكريم ، لاتباع هديه الشريف ، والذي دائمًا ما يرشدنا إلى كل ما فيه خير وفلاح لنا في الدنيا والآخرة ، وحيث إن وقت صلاة الفجر سواء قبلها أو بعدها يعد من الأزمنة المباركة ..و قد ثبت في السنة الصحيحة، بما رواه البخاري ومسلم، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله سبحانه وتعالى ينزل في الثلث الأخير من الليل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» ، ومعنى ذلك أن الله ينزل نزولا يليق بجلاله وعظمته في هذا الوقت، ولا يسأل ملائكته عن عباده وإنما يتفقد أحوالهم عز وجل ، ثم يستجيب لمن يدعونه في هذه الساعة، فإنه عز وجل يعطي من يسأله حاجة من حوائج الدنيا أو الآخرة، وينظر لمستغفريه فيغفر لهم ذنوبه وخطاياهم، ويرزق من يطلبون الرزق، ويكون الله جل في علاه أقرب ما يكون من عباده في هذه الساعة، لذا أوصى -صلى الله عليه وسلم- بذكر الله في جوف الليل الأخير، فقد ورد في جامع الترمذي، أن النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ»، والذكر بمفهومه الخاص يعني: ذكر الله -عز وجل- بالألفاظ الواردة في القرآن الكريم، أو السنة النبوية الشريفة، والتي تتضمن تمجيد الله، وتعظيمه، وتوحيده، وتقديسه، وتنزيهه عن كل النقائص.
وأن هذا الوقتٌ ، خصَّه اللهُ تعالى بالنُّزولِ فيه، وتفضَّلَ على عبادِه بإجابةِ مَن دعا فيه، وإعطاءِ مَن سأَله؛ إذ هو وقتُ خَلوةٍ وغفلةٍ واستغراقٍ في النَّومِ، واستلذاذٍ به، ومفارقةُ اللَّذَّةِ والرَّاحةِ صعبةٌ على العبادِ؛ فمَن آثَر القيامَ لمناجاة ربِّه والتضرُّعِ إليه في غفران ذنوبِه، فالله سبحانه وتعالى يفك رقاب عباده مِن النَّار، ويتوب على من سأَله التَّوبةَ في هذا الوقتِ الشَّاقِّ، على خَلوةِ نفسِه بلذَّتِها، ومفارقةِ راحتِها وسَكَنِها- فذلك دليلٌ على خُلوصِ نيَّتِه، وصحَّةِ رغبته فيما عند ربِّه، فضُمِنت له الإجابةُ الَّتي هي مقرونةٌ بالإخلاصِ وصدقِ النِّيَّةِ في الدُّعاء؛ إذ لا يقبَلُ اللهُ دعاءً مِن قلبٍ غافلٍ لاهٍ؛ فلذلك نبَّه اللهُ عبادَه إلى الدُّعاء في هذا الوقتِ.
وحيث إنه يجزل الله تعالى الثواب والأجر عن قيام الثلث الأخير من الليل والصلاة، الصلاة مقبولة فالله عز وجل يقبل الصلاة من عبده في هذه الساعة، كما أن الله سبحانه وتعالى يثنى على المؤمنين الذين يتعبدون في هذا الوقت، فيما ورد بقوله: « وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا» الآية 64 من سورة الفرقان، لأنه يعد من العبادات المفضلة عند الله تعالى، وكان النبي صلى الله عليه وسلّم لا يتركها، وقد خصّ الله تعالى عباده الذين يقومون الثلث الأخير من الليل بالأجر العظيم لأن القائم يهجر فراشه الدافئ والنوم المريح ليعبد الله عز وجل والناس نيام، لذلك فعلى المؤمن حقًا استغلال هذا الوقت، و يمدح الله تعالى لمن يقيم الليل ومن ضمنها آخر ساعة قبل أذان الفجر ، قال عز وجل: «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)» من سورة السجدة، وكذلك المستغفرين في هذا الوقت ، فقال الله تعالى: «وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ» الآية 17من سورة آل عمران، وقل عز وجل: وقال تعالى: «وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ » سورة الذاريات، وليس هناك أعظم من مديحٍ قادمٍ من رب الكون أجمعين.