قصة قصيرة :: المهدي جاتو
كان الشيخ جالساً ، في ركن ما داخل المنارة ، والشيب في لحيته الكثة ، نظر إلى شاب لم يرق له ، فأعتبره للوهلة الأولى ومن تقاسيم وجهه المسّود بأنه حجر عثرة ونذير شؤم ، فآثر أن يبقيه ضمن مريديه ، فمسكه بقبضة يديه ، وبذراعين مليئة بالشعر قذفه من خلال الشرفة ..
أجل حمله عالياً في رحلة تمجيد البهتان ، أوصله للحظة تستحق التصفيق للآلاف السنين ، ومن تم رماه بلا شفقة ..
ذاك الشيخ ، اعتقد في رحلة المجون ، بأن الشاب حجر عثرة أمامه ، لكن الأقدار بقدرتها جعلته جمرة .. وأي جمرة تلك التي تتحالف مع الريح ..؟
بعد أن أنهى الشيخ مهمته ، استدار ، وتلك خطيئته ، لأنه استدار قبل التأكد من سماع صوت الارتطام ، أو حتى الاستعانة بالنظر لطمأنة النفس الأمارة بالسوء .. واصل الرحيل في افقه المشين ، مزهواً بعد أن رمى ابتسامة ملونة بألوان غامضة
مرتبكة .. متداخلة ، ومد يده على شماعة تقبع في ركن الغرفة خلف الباب ، وتناول منها رداء الطمأنينة ، لبسه مع انه قصير الأكمام وطوله لا يستر الكرش المنتفخ من جراء التهامه للخواء كلما أعتلى مرتبة ما ..
رمى بجسده الثقيل على السرير ونام فضيلته قرير العين ، بعد أن اعتقد بأنه تخلص من حجر النحوس الذي عكر صفوه .. صرخ السرير لكنه فقد الأنفاس ، والأرض أسفل الهاوية امتصت السقطة ، والريح بدأت تعزف معزوفتها الخالدة مستخدمة كل الآلات ، الوترية منها والنفخ .. يحلو للطبيعة أن تسميها أغنية الحياة ، وتعيد صياغتها من حين لآخر..
أنتفض الشاب من أول نفخة ، أو ربما من أول سقطة مستفيداً من قانون الضد الذي منحه القوة بيد الأقدار ، فتحول إلى مار النار ، وصار يرتفع ويرتفع من ذات المكان ، فتسلق الجدران ، عبر النافذة ، ألتهم الستائر والشراشف زحف على السجاد الأعجمي ، امتلأت الغرفة بالأدخنة ، سعل الشيخ النائم في سباته العميق ، استيقظ وهو مفزوع بعد أن حدثت في نفسه ربكة ، ابتسم الشاب لكنه لم يقهقه ..
حاول الشيخ أن يفر عبر الباب ، لكنه لم يفلح لأن الضغط المتحالف أيضا مع الشاب أغلق النافذة ووقف أمامه كحجر عثرة .. تصبب بالعرق وتضائل حجمه بتضاؤل الأمل ..
النفس الأمارة بكت ، لكن الدموع لم تطفئ النيران ..
عندما سقط الشيخ مغشياً عليه ، حطم الشاب الجام ساحباً بذلك فلول الجيش الناري بعيداً ، فلاح في السماء لامعاً ..