- محمود السالمي
السادة : قراء فسانيا الاعزاء :
الاغنية الليبية ، ونتيجة لكون المجتمع ذا طبيعة محافظة ، ارتسمت فيها ملامح المجتمع فهي تتغنى بمختلف جوانب الحياة ، ولعلنا تابعنا كيف عكست الاغنية الليبية وبصورة مباشرة ما انطبع فى عقول الناس ووجدانهم من قيم ، حتى صارت بعض الاغاني تعبيرا مباشرا عما يجول بخواطر الناس ، وفى العادة يأخذ الانسان حنين الى ماضيه فيتذكر سالف الايام المنصرمة ، ويحن الى عودة قد تكون والى بهجة انفض من كان يرسمها وذهب من كان سببها والمجتمع المحلى على ضيقه وصعوبة الحياة فيه عادة ما يضم فى جوانبه دفئا لا يعوض ، وعواطف لا تشترى ولا تباع ، ولا يمكن ان نخلقها متى شئنا .. انها لا تمثل الا تلك اللحظة التى كنا فيها .. فمن منا ياترى لا يحن الى ايام الطفولة والى ذكرياته مع من هم اكبر منه سنا ، من منا لا تراوده الان فكرة البحث عن صديق قديم شاركنا ذكريات او عن مكان جمعنا مع احباب ، او شارع او حى او بيت ضم جزء من عمرنا الذى صارت عدد سنينه تزداد ، ومعها تزداد الشقة والبعد عن تلك الايام الجميلة والتى مضت ولا مجال لعودتها بعد ان صار العصر غير العصر وشغلتنا هذه الدنيا بجديدها ، حتى صرنا لا نلتقى الا لماما وفى مناسبة قد لا تكون فرح .. ولكننا نشعر فيها بالفرح لوجود بعضا من الذين شاطرونا ايام الطفولة . وايام الصبا حين كانت الايام تحبو بنا نحو آت لا نعرفه ، ولا نستطلع ما وراء ايامه القادمات .. ورغم كل شىء يضل الحنين الاكبر الى بيت العائلة او بيت العيلة كما نقول نحن الليبيون ، الذين نتوحد فى حب هذا البيت الذى لم يلبث ان تمدد لتخرج منه عائلات واسر تربطها قربى الدم ولا ترتبط بعاطفة دافئة كحال الايام الماضيات ، انه الحنين لبيت العيلة .. البيت الذى كانت اركانه تحتفظ بحرارة كل شىء ولا تتسرب اليها برودة هذا العصر الذى نحن فيه ، الاغنية الليبية سجلت هذا فى بعض ما تغنت به .. هل هناك اجمل من اغنية :
يابيت العيلة ياعالى * يامضلل بالحب
ياللى فيك اجتمعوا عيالى * بالروح وبالقلب
فيك التمينا وعرفنا ** معنى الحب سنين
عشنا فى ضلك بعواطفنا ** ديمة فرحانين
جامع كلمتنا ياعالى * سر سعادتنا ياعالى
ومفرح عيلتنا ** وفيك القلب طرب
نرجع نلقى فيك الراحة ** بعد تعب نهار
العيلة فى ضلك مرتاحة ** فى ود مع الجار
احنا احبابك ياعالى ** كبرنا فى جنابك
وعشنا عالحلوة والمرة ** جامعنا بالحب
انها عاطفة لا يمكن ان تموت ، وانما تزداد كلما تقدم بنا العمر مرحلة نحو الامام ، وفيها حنين مكبوت ورغبة جامحة لعودة ما كان ، وان ارتباط الانسان بالمكان هو ارتباط روحي ، يشبه ارتباطه بالعديد من الشخصيات التى نحب ، وقد احتفظت لنا الاغنية بدفء العلاقات العاطفية الجميلة التى تربط بين ابناء الحى الواحد او المدينة الواحدة ، وفيها ما فيها من البراءة وسذاجة الحب الاول وعطر الاندفاعة الاولى ، وكثيرة هى الحكايات التى سجلت لنا كيف اثمرت نظرات متبادلة بين ابن العائلة وبنت الجيران فى اطار الاحترام علاقات حب متبادلة لا ترقى الى مستوى البوح ، ويضل ما فى القلب فى القلب الى ان يحين موعد مرسوم لرحيل الفتاة الىبيت من اختارته زوجا لها ، حينها لا يملك الانسان سوى ان يترك لحنينه بين آن وآخر فرصة التعبير عما يجيش بخاطره عبر الاغنية :
جارة ياجارة * رحلتى يا جارة * وسكنتى بعيدة عالحارة
غير كيف نلقاك * من شوقى نسكن بحداك * دليني حتى بآمارة .. ياجارة
دورت الحارة وما فيها ** ونشدت عليك اماليها
قلت لهم وين نلاقيها ** ما لقيتش من جاب نباك
باعدتى وخليتى نباك ** وماضى مولع فيا نار
طيفك جار معاه احتار ** قلبى ما تهنى بمدعاك
كان انت فبالك تبيني ** مشتاقة لقلبى وحنيني
عودى لديارك خلينى ** انكمل باقى العمر معاك
وهكذا تحتفظ الاغنية بطعم الحياة التى رسمت اجمل ايام العمر ، وفي ابياتها عبق لاصدقاء ورفقاء ولرفقة ولاحاديث وحكايات فيها اصدق تعبير عن صفاء النفس والعاطفة ورقة الشعور والاحساس بالاخر .. انها الايام التى تضم الرفقاء الخلصاء ، انها جزء من عمرنا فهل يتخلى الانسان عن جرء من عمره ، كلا .
انا واياك ياعز الرفاقة * ربيع وحب ما تذبل اوراقه
انا واياك ومعانا الغلا ** عفة وود واخلاص ووفاء
ضحكة عمر فى حضن الهنا ** انعيش الحب نسبح فى اشواقه
انا واياك والصحبة الهنية ** انعيش فى خير ايامنا رضية
لا حرمان لا دمعة لا سية ** لا للحب نرضوا يوم فراقه
انها بلا شك اجمل تعبير عما يجيش بأنفسنا احيانا من حنين .
دمتم طيبين