المستشارة القانونية : فاطمة درباش
حياد القاضي أمر جوهري لضمان استقلال القضاء وتحقيق العدل بين المتقاضين وتكريس الثقة بالقاضي، ومبدأ الحياد يتحدد مفهومه وآثاره بناء على طبيعة نظام الإثبات المطبق في الدولة، فنظام الإثبات المطلق يمنح للقاضي سلطات واسعة في توجيه الخصومة واستكمال ما نقص من أدلة إثبات، بينما نظام الإثبات المقيد فلا يعطي للقاضي أي دور فالقاضي تكتفي فيه سلطاته بتلقي أدلة الإثبات وتقييمها والفصل في حدودها. أما نظام الإثبات المختلط فيجمع بين مظاهر الحياد السلبي والحياد الإيجابي، ويحدد فيه المشرع سلطات ومجال تدخل القاضي.
ويعد هذا المبدأ من أهم المبادئ الأساسية التي تحكم النظرية العامة في الإثبات، والذي يتأسس على قاعدة أصولية قوامها: وجوب اطمئنان المتقاضي إلى قاضيه، وأن قضاءه لا يصدر إلا عن الحق وحده دون هوى، وقد حرصت الأحكام التشريعية المنظمة لشؤون القضاء على تدعيم هذه الحيدة وتوفيرها.
إذاً مبدأ حياد القاضي يقصد به أن يلتزم القاضي بما يقدمه الخصوم من أدلة في الدعوى، فيتولى تقديرها في حدود القوة التي يعطيها النظام أو الشرع لكل دليل.
إن منطق تحقيق دولة الحق والقانون لا يمكن تجسيده إلا من خلال العدل، و الذي اختص به القاضي بعد أن ولى زمن اقتضاء الحقوق بالوسائل الخاصة،ونظرا لجسامة هذه المسؤولية وضع المشرع مجموعة من الضوابط التي تحكم سلطة القاضي ، ومن أهمها التزامه الحياد في مواجهة أطراف النزاع ،حيث يعتبر مبدأ حياد القاضي من أهم المبادئ التي لا مناص منها لضمان استقلال القضاء وتحقيق العدل بين المتقاضين.
ويظهر الفرق بين عدم التحيز والحياد في أن التحيز يعني وقوف القاضي إلى جانب طرف وتفضيله على خصمه، مما يتعارض مع مبدأ الإنصاف والموضوعية و المساواة بين الخصوم، أما الحياد فيقف القاضي فيه بين الخصوم بموقف الحكم الذي يزن المصالح القانونية للخصوم بالعدل، وحياد القاضي يمنعه أن يقضي بعلمه الشخصي.
فمبدأ حيادية القاضي من أبرز الشروط الملازمة للأنظمة القضائية بأكملها ،و التي تقوم بتأمين فاعلية القانون، فبقدر ما يكون تناسب بقدر ما يكون ثمة عمل قضائي سليم، لكن إذا ما اختل التوازن في هذا المبدأ سيكون لا محالة فساد في العمل القضائي، فمن المفروض على القاضي أن يتميز بالحياد تجاه أطراف الدعوى القضائية ،و تجاه الموضوع الذي بين يديه وتجاه القانون الواجب التطبيق.
إن استقلالية القضاء والذي من أهم مقوماته حياد القاضي،يفرضه مبدأ العدالة، بحيث يكون القاضي بعيدا عن أي مؤثرات أو ضغوط خارجية، كما أن استقلال القاضي يتجلى في مستويين هما: الاستقلال الوظيفي والاستقلال الشخصي،يقصد بالاستقلال الوظيفي أن القاضي لا يخضع لأية سلطة تملي عليه ما يجب فعله عند نظر الخصومات ولا يكون مسؤولا أمام أي جهة. وإنما يخضع للقانون، و ما يمليه عليه ضميره واقتناعه الشخصي ،أما المستوى الثاني فيجد سنده في تمتيع القاضي بهامش واسع من القناعة في اتخاذ ما يراه مناسبا من قرارات ومواقف من النزاعات التي تعرض عليه.