بقلم/ حسن منصور الوافي طرابلس – ليبيا
“نظرية المؤامرة لذيذة وتروق للجميع أنها تعطيك على الفور إنطباعا بأنك أذكى من الآخرين وأنك تعرف خفايا الأمور …” -أحمد خالد توفيق.
يلجأ الكثير من المحللين والمفكرين والمتابعين وحتى بعض السياسيين في كثير من الأحيان وفي سياق تسويغ إخفاقات المجتمع وأخطاءه إلى التهويل من (نظرية المؤامرة) والتي باتت لدى المجتمع العربي والإسلامي كابوسا مخيفا، أو شماعة يبررون بها عجزهم عن إيجاد الحلول لمشاكلهم وفشلهم في اللحاق بركب التنمية والتجديد والتنوير، فيلجؤون لإتهام الغرب أو غير المسلمين بأنهم السبب الحقيقي لعدم تقدمهم.
تطورت هذه النظرية مؤخرا في ليبيا ليشمل المتأمرين دول عربية ومسلمة كانت تعد إلى وقت قريب (وحتى الان لأحد الأطراف) صديقة وشقيقة، وعلى الرغم من أنه لا يمكن إنكار دعم تلك الدولة الخليجية أو جارتها لطرف في الصراع أو أخر … إلا أن هذا لا يمكن بأي حال أن يبرر “سبب” نشوء الصراع في الأساس!! {ﻭَﻣَﺎ ﺃَﺻَﺎﺑَﻜُﻢْ ﻣِﻦْ ﻣُﺼِﻴﺒَﺔٍ ﻓَﺒِﻤَﺎ ﻛَﺴَﺒَﺖْ ﺃَﻳْﺪِﻳﻜُﻢْ ﻭَﻳَﻌْﻔُﻮ ﻋَﻦْ ﻛَﺜِﻴﺮٍ} [ﺍﻟﺸﻮﺭﻯ: 30]
كذلك هذا الدعم (المزعوم في الغالب) لا يعفينا من المسؤلية في إيجاد سبل التعايش السلمي وإحتواء الإختلاف، فالإختلاف في الرؤى السياسية شيء طبيعي في المجتمعات الديمقراطية، فالديمقراطية هي “فن إدارة الإختلاف”.
تغذت نظرية المؤامرة هذه الأيام بما نشرته صحيفة الغاردين بخصوص تعاقد الإمارات مع المبعوث الأممي السابق (برناردينو ليون) للعمل كمدير للأكاديمية الدبلوماسية فيها بالإضافة الى تسريب مخابراتي لإيميلات منتقاة من مراسلاته لوزير الخارجية الإماراتي، الأمر الذي عده الكثيرين (ممن يرفضون الحوار) دليلا على صحة موقفهم، وعلى الرغم من التوقيت المشبوه لهذا التسريب (قرب إقرار حكومة الوفاق) والمحاولة الخبيثة للصحيفة المقربة من دوائر المخابرات البريطانية للتأثير ربما على المبعوث الدولي الجديد وما يطرحه من تساؤلات (حسب نظرية المؤامرة نفسها)، إلا ان الفعل الذي قام به المبعوث الدولي لا يبرر النكوص عن مكتسبات الحوار والتقارب الذي حققه ولا يعني وجوب أو صحة العودة للإقتتال الداخلي ولا يقلل من قيمة ما أنجزه المتحاورون. * * * *
أما ما يخص بالتدخل الخليجي في الشأن الليبي ودعمها لطرفي النزاع (إعلاميا وسياسيا وحتى عسكريا في بعض الأحيان) – رغم عدم فاعليته، وعدم وجود مصالح حيوية لتلك الدول في ليبيا – إلا أنه لا يمكن إنكاره ونحتاج لفهمه للعودة الى العقلية الخليجية نفسها، فثقافة الخليجي المولع بالمراهنة على سباقات الخيل والهجن ضاربة في عمق التاريخ وتعود إلى حرب داحس والغبراء، بمعنى أنهم لا يرون في الأطراف الليبية إلا مجرد “خيول سبق”، يتنافسون عبرها فيمن يحقق المركز الأول ولو على حساب صحة ومصلحة “الخيل” نفسها !
علينا أن نعي أن الشعوب الواعية تمسك بزمام أمورها وتتوافق فيما بينها على كيفية إدارة شؤونها بنفسها وتعلي مصلحتها الوطنية فوق إختلافاتهم ورؤاهم ولا يلجأ السياسيين فيها لتبرير عجزهم بتعليقها على “المؤامرة” ولل يستعينون بالأجنبي على إخوانهم، فالعيب ليس على من يختار من الخيل من يراهن عليه .. العار على من يرتضي لنفسه أن يكون عبارة عن خيل، ولوطنه أن يكون مضمار للسبق!
(ﻻ ﺃﺣﺪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺮﻛﺐ ﻇﻬﺮﻙ ﺇﻻ ﺇﺫﺍ ﻛﻨﺖ ﻣﻨﺤﻨﻴﺎً ) – ﻣﺎﺭﺗﻦ ﻟﻮﺛﺮ ﻛﻴﻨﻎ. . . . .