محاربو السرطان في الجنوب الليبي، صمود بلا حدود في مواجهة المرض

محاربو السرطان في الجنوب الليبي، صمود بلا حدود في مواجهة المرض

فسانيا : منى توكا : عبدالمنعم الجهيمي

  تعد معركة السرطان واحدة من أصعب المعارك التي يخوضها الإنسان في حياته، حيث يتعين على المريض مواجهة التحديات الصحية والجسدية التي لا تعد ولا تحصى. في ليبيا، تتفاقم هذه المعركة في ظل الظروف الصحية الصعبة التي يعاني منها المرضى، لا سيما في المناطق الجنوبية، التي تشهد نقصًا كبيرًا في الإمكانيات الطبية المتوفرة. يعاني مرضى السرطان من تحديات متعددة، تتراوح بين نقص الأطباء المتخصصين في الأورام، والافتقار إلى المعدات الطبية الحديثة، إلى جانب ضعف الدعم النفسي والاجتماعي الذي يحتاجه هؤلاء المرضى بشدة.

في هذا التقرير، نسلط الضوء على معاناة مرضى السرطان في ليبيا، حيث نروي قصصًا حية عن الصعوبات التي يواجهونها خلال رحلة العلاج، ونستعرض التحديات النفسية والجسدية التي ترافقهم طوال هذه الفترة.

عفاف أحمد مبروك: الإرادة والدعم العائلي.

عفاف أحمد مبروك، هي إحدى النساء اللواتي خضن معركة شاقة ضد مرض السرطان، الذي بدأ معها في عام 2022، وتستمر محاولاتها حتى يومنا هذا. وتقول عفاف: “بدأت معاناتي عندما اكتشفت المرض في مرحلة متقدمة، ولكنني قررت ألا أستسلم”. خضعت عفاف لعملية جراحية في عيادة خاصة في عام 2023، ثم تابعت علاجها في العيادات الخاصة حيث تلقت عشرين جلسة علاج إشعاعي، بالإضافة إلى العلاج الكيميائي والهرموني.

تصف عفاف تجربتها مع العلاج الكيميائي بأنها كانت شديدة القسوة، حيث عانت من الإرهاق الشديد، صعوبة في الحركة، وفقدان الشعر، مما جعلها تشعر بالحزن أمام أطفالها. ولكن الدعم المستمر من عائلتها، خصوصًا من زوجها، كان له دور كبير في إعادتها إلى قوتها النفسية لمواجهة هذه التحديات. تقول: “لم أضعف رغم كل ما مررت به، فقد كان إيماني بالله هو قوتي الأكبر”. كما أشادت بدور مؤسسة “يشفين” في دعمها ومساندتها خلال هذه الرحلة الصعبة، وأكدت أن المساعدة التي تلقتها من قبل المؤسسة كانت حاسمة في تخفيف الأعباء النفسية والمادية التي تعرضت لها.

فاطمة محمد الأزهر: الإيمان والصبر.

 فاطمة محمد الأزهر، فهي مثال آخر على الصبر والإيمان. تروي فاطمة قصتها مع السرطان الذي تم اكتشافه في أغسطس 2023. تقول فاطمة: إنها بدأت تشعر بأعراض غريبة في جسدها مما دفعها لاستشارة الطبيب، الذي أكد في البداية أن الأمر لا يعدو كونه مجرد التهاب. ومع ذلك، وبعد إجراء الفحوصات اللازمة، تبين أنها مصابة بسرطان الثدي. “كان الخبر بمثابة صدمة، ولكنني قررت أن لا أستسلم للمرض، وبدأت العلاج فورًا”، تضيف فاطمة.

خضعت فاطمة لعملية جراحية في تونس، ثم بدأت رحلة العلاج الكيميائي التي كانت قاسية جدًا، لكنها تحلت بالصبر والإرادة. تذكر فاطمة أن الدعم العائلي كان له دور محوري في تحفيزها على الاستمرار في العلاج رغم الصعوبات التي واجهتها. كما تقول: “في بعض الأحيان، كان شعوري بعد جلسات العلاج أنه كأنني أقرب إلى الموت، ولكنني كنت أستمد قوتي من دعوات عائلتي التي كانت تشجعني على الصبر”. ورغم التحديات المالية، فقد تلقت دعمًا ماديًا ومعنويًا من مؤسسة “يشفين”، التي تذكرها فاطمة بكلمات امتنان قائلة: “دورهم كان كبيرًا في مساعدتي، خاصة من خلال الدعم النفسي والعلاجي”.

خديجة حامد: القبول والتكيف.

أما خديجة حامد، فقد بدأت معاناتها مع السرطان عندما اكتشفت انتفاخًا في بطنها، مما دفعها للذهاب إلى مصراتة لإجراء الفحوصات، ليكتشف الأطباء بعد ذلك أنها مصابة بسرطان القولون. تقول خديجة: “الحمد لله على كل حال، ما جابني إلا ربي، وأنا راضية بما قدّر الله”. خضعت خديجة لعملية جراحية لإزالة الورم، ثم تابعت علاجها الكيميائي. ورغم معاناتها الشديدة من الأعراض الجانبية للعلاج، فإنها كانت دائمًا متماسكة بفضل دعم أسرتها والمجتمع المحيط بها.

تضيف خديجة: “الأيام كانت صعبة، لكنني كنت دائمًا أطمح أن أرى نفسي في حالة أفضل وأشكر الله على كل خطوة تجاوزتها”. ورغم التحديات الكبيرة، فإن دعم مؤسسة “يشفين” كان له دور كبير في مساعدتها على التحمل. تقول خديجة: “المؤسسة جعلتنا نشعر أننا عائلة واحدة، حيث تجمعنا الآلام والآمال”. هذه الرسالة تحمل الكثير من الأمل، إذ تبين كيف يمكن للمريض أن يقف على قدميه رغم كافة المعيقات.

زمزم عبد القادر: التحديات والمثابرة.

من منطقة وادي الحياة في الجنوب الليبي، تروي زمزم عبدالقادر قصتها مع السرطان التي بدأت في عام 2016. بعد اكتشاف الورم في جيبها، عاشت زمزم مع المرض لفترة طويلة، لكنها واجهت صعوبة في الحصول على الأدوية اللازمة لعلاجها. تقول: “رغم الصعوبات الكبيرة في توفير الأدوية، إلا أنني تمسكت بالأمل”. ورغم عودة الورم بعد العملية الأولى، لم تستسلم زمزم، بل قررت السفر إلى تونس للحصول على العلاج.

تضيف: “لقد وجدنا في مؤسسة “يشفين” دعمًا معنويًا كان له أثر كبير في رفع معنوياتنا. كانت المؤسسة دائمًا بجانبنا، وكلما شعرنا باليأس، كانت تقدم لنا الأمل والتشجيع”. ومن خلال هذا الدعم، تمكنت زمزم من مواجهة المرض والصعوبات المالية التي ترافق العلاج.

عبدالسلام عبد الله مسعود السهيكي: معاناة مالية وعلاج مكلف.

يشارك عبد السلام عبد الله مسعود السهيكي، المريض الذي يعاني من السرطان، قصته التي بدأت في شهر مارس من العام الماضي، حيث بدأ يعاني من مشاكل في البول، وكان هناك تقطع وألم شديد. زار العديد من المصحات في سبها وطرابلس لمدة شهرين، ولكن حالته تطورت بشكل سريع. في شهر أكتوبر قرر السفر إلى مصر لتلقي العلاج، وفي أول فحص بالأشعة تبين أن لديه ورمًا، وبعد أخذ العينة أكد الأطباء أنه مصاب بورم خبيث. حينها، سأل عبد السلام الطبيب عن نوع الورم، فأجابه أنه من النوع الخبيث.

ورغم الصدمة، أكد عبد السلام أنه كان مؤمنًا بقضاء الله، وقال: “إذا أحب الله عبدا، ابتلاه”، مشيرًا إلى أن هذه المعاناة هي اختبار من الله. وأضاف أنه استمر في رحلته العلاجية رغم التكاليف الباهظة التي اضطر لدفعها في مصر، حيث كان يكلفه العلاج حوالي 10,000 دينار شهريًا، بالإضافة إلى تكاليف السفر والإقامة. في ظل هذه الظروف، اضطر عبد السلام لبيع سيارته وأرضه من أجل تأمين تكاليف العلاج.

ورغم التحديات التي واجهها، من مشاكل صحية وعلاج مكلف، إلا أن عبد السلام ظل متوكلًا على الله، حيث قال: “الحمد لله على كل شيء، أنا مؤمن بأن الله هو الشافي والنافع”. وأضاف أنه يواجه مضاعفات مثل تشقق في الجسم، دوار، وانخفاض في المناعة، لكنه يتمسك بالأمل والصبر.

وأكد عبد السلام أيضًا أنه قد تلقى الدعم من بعض الأشخاص المحسنين الذين قدموا له مساعدات مالية مثل 2,000 جنيه، وهو ما كان له دور كبير في تخفيف معاناته. وأشار إلى أن المرضى الآخرين مثل حالته لا يزالون يواجهون صعوبات شديدة، وأنهم في حاجة ماسة للمساعدة. كما طالب من خلال منبر الإعلام بأن يتم الالتفات إلى مرضى السرطان، وخاصة في مناطق مثل الجنوب الليبي، وتوفير العلاج اللازم لهم داخل ليبيا أو دعمهم بالعلاج على حساب الدولة.

وختم عبد السلام حديثه بقوله: “مهما كانت الظروف، علينا أن نتمسك بالأمل ونتوكل على الله”، مؤكدًا أن الإيمان بالله يعين الإنسان على التغلب على كل الصعاب.

رأي الدكتور أبوعجيلة مختار: تحديات كبيرة ودور الدعم النفسي.

وفيما يتعلق بجانب الدعم الطبي، يقول الدكتور أبوعجيلة مختار، مدير إدارة الشؤون الطبية وأخصائي أمراض الدم والأورام بمركز الأورام، أن سبب اختياره لهذا التخصص هو النقص الكبير في الأطباء المختصين في الأورام في المنطقة الجنوبية. فقد كانت هذه المنطقة تعاني من نقص حاد في الاستشاريين والأطباء المتخصصين في هذا المجال، مما اضطر المرضى للسفر إلى مدن أخرى مثل مصراتة وصبراتة للحصول على العلاج. ويضيف: “عندما بدأت العمل، كانت البداية مليئة بالصعوبات النفسية، حيث كان التواصل مع المرضى ومعاناتهم يسبب لي آلامًا نفسية كبيرة، لكنني قررت الاستمرار في العمل لتقديم المساعدة الممكنة لهم”.

ويؤكد الدكتور أبوعجيلة أنهم غالبًا ما يعطون أرقامهم الشخصية للمرضى للتواصل المستمر والاستماع إلى شكاواهم، وذلك حرصًا على توفير الدعم النفسي المستمر. كما يتحدث عن أصعب اللحظات التي يواجهها في عمله، وهي لحظة إبلاغ المريض بأنه مصاب بالورم، موضحًا أن ردود الفعل الشائعة لدى المرضى تكون الإنكار وعدم تقبل الحقيقة، بالإضافة إلى رفض بعضهم للعلاج الكيميائي، وخاصة في حالات استئصال الثدي. لكنه أشار إلى أن هناك حالات أخرى تتقبل وترضى بقضاء الله.

وفيما يتعلق بالدعم النفسي، أشار الدكتور أبوعجيلة إلى أن هناك فريق دعم نفسي يتابع الحالات لمساعدتهم على التأقلم مع مرضهم وتحسين حالتهم النفسية والجسدية. وأضاف أن أسعد اللحظات التي يمر بها هي لحظة إبلاغ المريض بشفائه، حيث يعتبر ذلك بمثابة فرحة كبيرة له ولعائلته، مما يعطيه شعورًا بالإنجاز. وأكد أن رؤية حالات الشفاء والنجاح تشجع المرضى الآخرين على التمسك بالأمل والإيمان بأن الشفاء ممكن.

كما نصح الدكتور أبو عجيلة المرضى بضرورة الالتزام بالعلاج والجرعات المحددة، والإيمان بقضاء الله وقدره، مؤكدًا أن ذلك يسهم بشكل كبير في مواجهة المرض والتمسك بالحياة.

دور مؤسسة “يشفين” في دعم مرضى السرطان.

مؤسسة “يشفين”، التي تأسست لمساعدة مرضى السرطان في ليبيا، تلعب دورًا محوريًا في تخفيف معاناة هؤلاء المرضى. تقول فايزة جودة، صاحبة فكرة تأسيس مؤسسة “يشفين” لدعم مرضى السرطان ومدير مركز أورام سبها، إن الفكرة بدأت بعد حضورها مهرجان جرمة السياحي، حيث تم تداول الحديث عن وجود عدد كبير من مرضى الأورام في إحدى المناطق. وكانت تعمل في قسم التوعية والتثقيف الصحي في إدارة الخدمات الصحية، مما دفعها للتفكير في كيفية تقديم المساعدة. قررت أن تتخذ موقفًا عمليًا وتبادر بتنفيذ شيء مفيد، فتم تكليفها من قبل مدير إدارة الخدمات الصحية بتشكيل لجنة بحثٍ وتقصٍ بشكل سري، حيث أن الكثير من الناس لا يحبون التصريح بمرضهم.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :