- كتبت / صافيناز المحجوب
منذ شهور اكتسبْتُ عادة جديدة وهي تذكّر مَثَلٍ مّا يشاع قوله والبحث عن قصته، وتذكرت المثل القائل (جنت على نفسها بُراقش ) وعلى الرغم من اختلاف القصة ولكن أغلب المواقع أجمعت أن القصة تعود لكَلْبة تسمّى بُراقش والتي كانت تنبح كلما رأت الأعداء لتنبه أهل قريتها فيختبؤوا ولكنها في إحدى المرات وبينما الأعداء يخرجون من القرية نبحت فعلم الأعداء بمكان أهل القرية فقتلوهم وقتلوا بُراقش، كانت أمي تقول لي ( اللي منه بيده ربي يزيده ) والبعض يقول (هذا ما جنته يداك ) أي ما حصل كان بسبب أيدينا وما حصل جنيناه بسبب أفعالنا، تذكرت المثل عندما رأيت ما حدث للمدينة القديمة بمدينتي درنة وما آلت إليه البيوت تلك التي كانت تحكي قصصا وتراثا طالما تغنت به وأي حال أصابها اليوم وأي غراب اليوم أصبح ينعق فوق سمائها ولكن أليس ما حدث حصل بسبب أبنائها؟ أليس هذا ما جنيناه بسببنا نحن أهلها؟ . لا أنكر تعاطفي الكامل مع كل حجر وكل أسرة فقدت منزلها وفقدت رزقها وذاقت الليالي الطوال بعيدا عن بيتها وهي تسمع كل يوم عن سقوط منزل فلان أو احتراق بيت فلان ولكن السؤال من كان يتحصن ببيوتنا؟ بغض النظر عن معتقداتهم عن منهجهم عن أفكارهم أليسوا أبناءنا وأقاربنا؟ أليسوا من درنة؟ ألسنا نحن من جلب لها الدمار؟ ألسنا نحن من أدخلناها هذه الحرب الخاسرة؟ هل كنا نظن أن المدينة ستظل تغرد خارج السرب وتعيش في انفصال عن باقي مدن ليبيا ؟ وإن كان الكلام لا يفيد اليوم فما دعاني إلى الحديث هو ذلك التباكي على الأطلال، ما عاد البكاء اليوم يفيد يجب أن نتعافى نحن قبل تلك البيوت التي انهارت، يجب أن نتعلم الدرس وأعتقد أن هذا الدرس أغلى الدروس التي ستظل مدينة درنة تتذكرها وإن كان هناك من سيقف ليقول أنا بريء من أفعال أي جماعة في درنة أذكركم بقصة القرية الظالمة التي أرسل الله عليها عذابا وعندما أخبرته الملائكة بوجود عبدٍ صالح قال لهم به فابدؤوا لماذا ؟ لأنه ظل صامتا لم يغضب، لم يحتج على ما يحصل في قريته فشمله عقاب الله وهذا ما حدث في مدينتي ورغم ما حدث فدرنة لم تنتهِ، لم تندثر لم تختفِ من خارطة ليبيا، كل جراحها بسيطة يمكننا أن نتعافى وتتعافى درنة معنا مصابها ليس بالأمر الجلل ستقف وتنتصب هامتها لن تركع لليأس ستعود مدينة الفن والشعر مدينة الثقافة فلم تسقط عليها قنبلة هيروشيما واختفينا نحن لازلنا هنا بين الجبل والبحر وشلالنا العذب يرسل ماءه عذبا يسقي مزارع الرمان ستعود درنة فلا تخافوا درنة اليوم أقوى من الأمس بقلوب وسواعد أبنائها . ستُرمّم المدينة القديمة وستعود فتاريخ مدينتي ليس فقط في حجارة تلك البيوت وساحة البياصة، درنة كلها تاريخ، درنة روح لم تفارق أهلها ولا شوارعها فلا تخافوا عليها، ستعود في حِلْيَة أبهى وأجمل من تلك التي زالت بإذن الله .