مضت حركة تحميل شاحنات النفط في ميناء مرسى الحريقة بصورة طبيعية ووفق برنامجها الرسمي هذا الأسبوع، وذلك في أعقاب توقيع رئيسي المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس وبنغازي، مصطفى صنع الله وناجي المغربي، مذكرة مبادئ تهدف إلى توحيد قطاع النفط والغاز، ناشدا خلالها رئيسي مجلس النواب والمجلس الرئاسي العمل على دعم هذه الجهود، لكن بقيت الأسئلة وعلامات الاستفهام مفتوحة أمام إمكانية استعادة إنتاج النفط إلى مستويات العام 2010.
واجتمع رئيسا المؤسسة في 15 مايو الجاري، وعلى مدى خمسة أيام، في العاصمة النمساوية (فيينا) للاتفاق على خطوات تهدف إلى توحيد المؤسسة ومعاودة الصادرات بشكل طبيعي بميناء مرسى الحريقة، الذي استقبل الخميس الماضي الناقلة «سي تشانس» قادمة من إيطاليا لتحميل شحنة من النفط الخام «قدرها 600 ألف برميل».
وتوقع الناطق الرسمي باسم مؤسسة النفط في طرابلس محمد الحراري عودة إنتاج النفط إلى ما بين (350 و360 ألف برميل يومياً)، وقال لـ«الوسط»: «لا توجد معوقات لعمليات الشحن، والعمل يسير بصورة طبيعية في الميناء»، معربًا عن الأمل في «عودة الاستقرار وفتح بقية الموانئ واستئناف العمل بخطوط الأنابيب الأخرى، بما يؤدي إلى ارتفاع الإنتاج عن معدلاته المتوقعة».
توقعات ضعيفة
وجاءت تصريحات الحراري لتتماهى مع توقعات شبكة «بلومبرغ» الأميركية بتعافي إنتاج النفط بنسبة طفيفة مع استئناف شحن النفط من مرسى الحريقة، واعتبرت الوكالة الاقتصادية أن الاتفاق السياسي الذي سمح باستئناف العمل بالميناء «خطوة صغيرة نحو توحيد الفصائل المتناحرة»، لكن تكهناتها بزيادة الإنتاج النفطي جاءت بمعدل أقل لتصل إلى ما بين (180 و200 ألف برميل يومياً)، من 80 ألف برميل خلال فترة توقف الصادرات من الميناء.
الحراري لـ«الوسط»: إنتاج الخام 360 ألف برميل بعد فتح الميناء
وتعرضت المنشآت النفطية خلال الخمس السنوات الماضية إلى هجمات متكررة أدت إلى إغلاق عدد كبير منها، مع استمرار الصراع بين التشكيلات المختلفة، إذ انخفض الإنتاج النفطي بنسبة 80% من 1.6 مليون برميل يومياً العام 2011، أعقبه انخفاض حاد في الاحتياطات النقدية وزيادة في العجز المالي.
وتنص مذكرة التفاهم التي وقعتها المؤسستان في طرابلس وبنغازي على نبذ الخلافات ومناشدة رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق دعم جهود توحيد قطاع النفط والغاز، ووافق الطرفان على استئناف تصدير شحنات النفط الخام من مرسى الحريقة لمصلحة كل الليبيين، تجنباً لحدوث أضرار في خطوط الأنابيب، وتفادياً لأزمة مالية، وبما يضمن عدم زيادة فترات طرح أحمال الكهرباء.
اتفاق ضروري
وأكد الجانبان أن استئناف صادرات النفط الخام يساعد، بلا شك، في الحد من العجز في الموازنة العامة، ويقلل الاعتماد في السحب من الاحتياطي المالي للدولة ويجنب المواطنين مزيداً من التأثيرات السلبية على أسعار صرف الدينار، ويؤمِّن جودة الحياة لكل الليبيين ويحافظ على انتظام وصول المحروقات وتوفيرها للجميع وبالتالي انتظام تشغيل المرافق الحيوية للدولة.
لكن «بلومبرغ» لفتت في تقريرها إلى أن اتفاقًا مماثلاً لإعادة فتح بقية الموانئ والمنشآت المغلقة سيتطلب اتفاقًا بين حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج والحكومة الموقتة. وفي تصريحات جرى تداولها مؤخراً، قال الناطق باسم الحرس، علي الحاسي، إن القوات متمركزة في بوابة 110 المقربة من الحقول النفطية، كاشفًا أن أهم حقل نفطي وهو حقل الاستقلال تحت سيطرتهم.
وأكد الحاسي في مقطع فيديو نشره عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» أن عناصر حرس المنشآت النفطية، موجودون على الأرض وفي الميدان، مضيفاً أنهم قادرون على ردع مَن وصفه بـ«المعتدي الأثيم»، وبتر أي يد تعبث بمقدرات الليبيين المتمثلة بالحقول والموانئ النفطية، بحسب قوله.
نار حمراء
وفند الحاسي الأنباء المتداولة بخصوص سيطرة القوات التابعة للقيادة العامة للجيش على بعض الحقول النفطية، قائلاً: «نحن نكذب كل الأقاويل الزائفة التي لا تطال الحقيقة، والتي تقول إن هناك مَن يحاول السيطرة على هذه الأماكن، ونقول لمَن تسوِّل له نفسه، هنا نار حمراء، هنا حرس المنشآت النفطية».
استئناف صادرات النفط يساعد في الحد من العجز في الموازنة العامة
ونقلت «بلومبرغ» عن الباحث في مجموعة «يوروآسيا»، ريكاردو فابياني، أن «من المرجح ألا يعيد حرس المنشآت النفطية فتح الموانئ النفطية ضد رغبة خليفة حفتر، الذي بدوره يعتمد على توصل الحكومة الموقتة إلى تسوية مناسبة مع حكومة الوفاق».
ويقع ميناءا السدرة ورأس لانوف تحت سيطرة قوات حرس المنشآت النفطية بقيادة إبراهيم الجضران، الذي «اضطر لتعليق المفاوضات مع السلطات في طرابلس بسبب الضغط العسكري من قائد الجيش الوطني خليفة حفتر»، وفق فابياني.
ووسط هذا الصراع المعقد، يبقى من الصعب تحديد سيناريوهات عودة إنتاج النفط إلى مستويات العام 2010، ويبقى أي حل تفاوضي في هذا المرحلة «مسكنات» تنتظر التسوية الشاملة.