مرارة

مرارة

اسماء القرقني

وقفتُ انصت لحديث ابن عمي وعيني على وجهه الناضح بالغضب والحقد:

ابنكم فقأ عين ابني بالحجارة ، لن يطفئ غليلي سوى  منحي دار الضيافة وهي في الأصل وفي خريطة جدي من حقي أنا.

شعرت ان الدنيا اسودت في وجهي ،كيف امنحه دار الضيافة مكان صلاتي و الأقرب الى قلبي؟؟!!!

ابن عمي ليس مقرباً بالنسبة لي سوى بالدم، لم يعرف الاستقرار في حياته ،  تنقل وصال وجال في الأوطان ،لم اتعرف عليه إلا عندما حلّ ضيفاً عندي تلك الليلة المشؤومة  ، اطلعني على خريطة مجهولة أراها لأول مرة ،ادّعى ان جدنا من رسمها ،طالبني بنصف بيتي بناءً على ما جاء فيها ، بل بأكثر من نصفه ،  رفضت بقوة،  شهد الجيران  معي، لكنه لم يبرح  منزلي، حتى الشرطة لم تستطع طرده ، اقنعهم  انه المالك الأصلي  وصدقوه ، اضطررت بعد  مكوثه مدة طويلة  متطفلاً  علي ان اتفق معه ، تنازلت ، وأقمنا جداراً يفصلنا .

لن انسى رجفتي عندما رأيته مكشرا عن أنيابه  ذات صباح ، ماذا دهاه؟  لم تمضِ سوى فترة وجيزة  على اتفاقنا !!! الم امنحه ما يريد؟

اريد ان اضم دار المؤونة الى بيتي ، في خريطة جدنا  هي من نصيبي .

اجتمع جيراني عدة مرات  ، أخبروني عن وقوفهم إلى جانبي ومساندتهم لي ، استعان  هو باثنان من  أقربائه -غلاظ شداد – زاروه اكثر من مرة في بيتي ليثبتوا  حقه ، عندما رأيتهم عصبة  تنازلت عن دار المؤونة وانا اشعر انني في ورطة كبيرة…..”

افقت من شرودي  وطعم مرارة الظلم في حلقي .

قلت محتداً:

الم يفعلها ابنكم قبل ابني ؟ ونزولاً عند رغبة اقاربك تنازلنا عن حقنا  وسامحنا.

هذا شأنكم، اما نحن فلا نفرط في حقنا ابداً

طمأنني ابنائي عند عودتي   ،هوّنوا مصابي  كعادتهم في كل مرة :

لا تبتئس يا ابي ، الجيران معنا ، كلهم  شهود على ملكيتك للبيت ، ووعدونا بالمؤازرة.

تجولت بالبستان  الملحق ببيتي، وقفت اتأمل في حزن اشجار الزيتون  التي زرعها أبي ، جفت اوراقها ،يبس عودهاوأغصانها ،تشققت الارض التي تحتضنها، كيف لم انتبه انني اهملتها منذ  اُبتليت به؟

لمحت ابن عمي في احد أركان البستان وضحكة ماكرة تعلو محياه :

ألم تفكر في الأمر بعد؟ سلمني دار الضيافة لترتاح ونحل هذه المشكلة ، والا ..

تلاقت اعيننا للحظة ، هالني الحقد المنسكب من عينيه ونبرة التهديد العابقة في صوته ،فوجئت بحجر يُرمى عليه من احد الزوايا ، لمحت طفلاً من احفادي يهرب بعيداً بعد ان فعل ما فعله ، أصابه الحجر إصابة بسيطة في رأسه ، صرخ على اثرها منادياً اقربائه مستنجداً بهم ،انها المواجهة بيننا  لا محالة .

وقفوا صفاً واحداً والشرر يتطاير من اعينهم ، في مقابلهم  انا وابنائي  واحفاد لم يتخطوا بعد مرحلة الطفولة .

تساوت  القوى  في الجولة الأولى رغم شراستهم و قلة عددنا

سألت ابنائي والأمل يدغدغني:

الم يأت ِ الجيران؟

لم يتوقفوا عن الدعاء لنا ، ينتظرون فقط الأذن من آبائهم.

وقع ابني الأكبر ، سالت الدماء غزيرة من رأسه في بداية الجولة الثانية ، سألت بقية ابنائي والأمل يداعبني:

اين الجيران؟

قلوبهم معنا ولم يتوقفوا عن الدعاء لكنهم مازالوا ينتظرون الأذن من آبائهم.

في الجولة الثالثة  اشتدت المعركة ، اوقعنا منهم عدداً لابأس به ،

سقط  ابني الأوسط بعد اصابته في احدى قدميه

سألت ابني الاصغر و نبضي يتسارع :

اين الجيران؟

الحماس يملأهم  ولا يتوقفون عن الدعاء ، لكنهم مازالوا  ينتظرون موافقة آبائهم

في الجولة الرابعة  اشتد القتال اضعافاً ، استمتنا في المقاومة ولم يتبق معي سوى ابني  الأصغر واحفادي الصغار  البواسل

أُصيب ابني، و أُصيب معه ثلاثة من احفادي ، اصطبغت ثيابهم  وحبيبات  التراب تحتهم باللون الأحمر، أستبد بي الأسى ،ركضت نحوهم وقلبي يكاد يتوقف .

 قال ابني و والألم يعتصر وجهه الشاحب:

أنا واثق من دعمهم وحزنهم الكبير من اجلنا .

 صرخت بأعلى صوتي:

أين  هم ؟

–  آبائهم  مازالوا يتشاورون يا أبي.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :