تضم مراكز إيواء النازحين الفلسطينيين في قطاع غزة بين جنباتها “صوراً ومشاهد” مختلفة لحكايا أناس تجمعهم ” تعبيرات “الألم، الفرح”، وفرضية “الموت والبقاء” داخل نموذج اجتماعي مصغر ارتسمت معالمه على أسس بائسة اختلطت فيه المقدمات بالخواتيم وتاهت المعاني بين سطور السجلات الإنسانية والحقوقية.
لا نقصد بمراكز الإيواء” الملاجئ” أو الغرف الاسمنتية المحصنة”، بل هي عبارة عن مدارس تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأنروا” أو مستشفيات لجأ إليها آلاف العائلات الفلسطينية التي فقدت منازلها في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، واخرى لم تجد موطأ قدم آمن غيرها فنزحت إلى عائلات وجيران.
في كل مركز ايواء تسمع قصصاً انسانية تقشر لها الأبدان، وتصطدم بمآسي ضحيتها اطفال ونساء وعجزة تندي لها الجبين.
الفرار من الموت
البكاء والحسرة على ما اصاب العائلات النازحة من دمار في الممتلكات وزهق للأرواح البرئية سيد الموقف، والتقوقع في حالة من التيه بات متلازم للكثير منهم في ظل عدم معرفة اين تسير بهم الظروف.
حيث يوضح النازح يونس عبد الله من سكان مخيم البريج وسط قطاع غزة إنه اضطر النزوح الى مدرسة تابعة لوكالة الغوث بمخيم النصيرات المتاخم لمخيمه بعد اشتداد العدوان الأسرائيلي، موضحاً ان القصف اصاب منزله بدمار كلي واصاب منازل جيرانه ، فاضطر إلى الهرب بأطفاله وزوجته خوفاً من الموت.
ويصف عبد الله الوضع بالصعب للغاية، موضحاً أن عائلته التي فقدت ممتلكاتها في العدوان، لم تجد فراشا أو أغطية، لقلة المساعدات المقدمة ولارتفاع عدد النازحين.
وبين في حديثه أن النساء يتم تجميعهن في داخل الفصول الدراسية مع الأطفال ، فيما الرجال يقضون ليلهم ونهارهم في الساحات الدراسية تحت اشعة الشمس وفي أوقات الليل.
وشكى من انتشار الأمراض والأوبئة بين الأطفال ونقص المياه الصالحة للشرب وانقطاع التيار الكهربائي.
وأشار الى أن الوجبات الغذائية التي تقدم سواء من قبل مؤسسات أهلية أو حكومية ضئيلة مقارنة بعدد أفراد الاسر والعدد الكلي للنازحين.
وأشار إلى أنهم يضطرون إلى الاصطفاف في طوابير حين يرغبون في الذهاب لقضاء الحاجة.
ويجدر الاشارة هنا إلى أن احدى العائلات النازحة لم تجد مكاناً لها في مدرسة ايواء، فاضطرت الى اتخاذ احدى المراحيض مكاناً للسكن، مما يدلل على الحالة الانسانية المزرية التي يعيشها سكان قطاع غزة بسبب العدوان الإسرائيلي الذي دمر كل ما هو جميل في القطاع.
وانتابت النازحون حالة خوف وتخبط حين باتت اماكنهم غير آمنة بعد استهداف الاحتلال الاسرائيلي لمدرسة في بيت حانون شمال قطاع غزة واخرى في رفح جنوب القطاع وارتقاء عدد من الشهداء.
ورغم تنديدات المؤسسات الدولية بانتهاك اسرائيل حقوق النازحين والتعدي على مؤسسات دولية في قطاع غزة إلا انها تصم أذنها عن تلك الإدانات، وتدعي اطلاق المقاومة بغزة صواريخ من داخلها ، وهي تحاول في كل مرة تبرير فعلتها بهذه التصريحات المشكوك في صحتها .
مكان للفرح
ورغم الألم في تلك المراكز، الا ان للفرح ايضاً مكاناً، فقد زف النازحون في احد مراكز الايواء عروسين بعد ان جمعتهم الاقدار .
حيث لجأت العروس هبة فياض (23 عاما) الى مدرسة في بلدة بيت لاهيا بعد تدمير منزل عائلتها في بلدة بيت حانون شمال القطاع بينما اضطر خطيبها عمر ابو النمر (30 عاما) للجوء الى مدرسة اخرى غرب مدينة غزة.
وتقول هبة بينما تقوم مصففة الشعر بتزينها في صالون للتجميل في شمال قطاع غزة قبيل حفل الزفاف في تصريح لها “لم اتوقع يوما ان يكون فرحي بهذا الشكل فقد خططت لكل شيء، الاغاني، الضيوف، فستان الزفاف وباقة الورد، وها انا اليوم استعد للزواج في مدرسة تضم الاف اللاجئين”.
وكان العريسان يستعدان لإقامة حفل زفافهما في منزل والدة العروس في بيت حانون مطلع الشهر المقبل، الا ان الحرب التي شنتها اسرائيل على قطاع غزة في الثامن من تموز/يوليو ادت الى تدمير هذا المنزل وكل ما فيه من ملابس وزينة وادوات تجميل كانت قد حضرتها هبة لزفافها.
وتقول العروس “لو لم اتزوج اليوم بهذه الطريقة، كان علي ان انتظر ثلاث سنوات على الاقل”.
واضافت “دمر البيت بالكامل، وكل ملابسي احترقت. لم يبق لي شيء منها. الوضع المادي صعب”.
وتبدو هبة فرحة لان زفافها وفر لها فرصة نادرة بالخروج من المدرسة للبقاء في فندق فاخر ليومين غرب مدينة غزة، قامت الاونروا بحجزه لها ولعريسها.
وتقول هبة باسمة “افضل ما في الموضوع اني ساغادر المدرسة ليومين على الاقل”، ثم تضيف “ساحرص على الاستحمام كل ساعة في الفندق عوضا عن الايام التي قضيتها في المدرسة ولم اكن قادرة فيها على الاستحمام”.
لكنها تستدرك بقلق “اخبرنا المسؤولون في الاونروا انهم سيوفرون لنا شقة بالايجار بعد انتهاء الليلتين في الفندق ولكني خائفة ان لا يحدث ذلك. لا اريد ان اعود للعيش في المدرسة مرة ثانية”.
وترافق نبيلة فياض والدة العروس ابنتها في صالون التجميل وهي تجلس على كرسي متحرك اثر اصابتها في بشظايا صاروخ طائرة استطلاع اسرائيلية على منزلهم في العام 2006 حيث اصيبت بجروح بالغة وقتل ابنها براء الذي كان يبلغ تسعة اعوام حينها.
وتقول هذه الام التي لم يظهر عليها اي من علامات الفرح “هبة فرحتي الاولى، اشعر بحزن وقهر لأنها ستتزوج في مدرسة اونروا، كنت اريد لها حفلا افضل من هذا وفي ظروف افضل”.
لكنها تتابع “ماذا سنفعل؟ لقد اجبرنا على ذلك، دمروا بيتنا، وزوجها يستعد للسفر ويريد ان يأخذها معه”.
ويقف العريس عمر على باب الصالون وحيدا في انتظار عروسه “عائلتي ليست هنا، انا وحيد في غزة، لا يهمني الناس والحفلات، انا سعيد لأني سأتزوج من هبة اخيرا”.
ويأمل هذا الشاب العاطل عن العمل ان يتمكن من اصطحاب زوجته والسفر عبر معبر رفح البري على الحدود الجنوبية لقطاع غزة مع مصر.
ولادة غير عادية
وقال مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية في تقرير ان هناك اكثر من 223 الف نازح فلسطيني في 87 مدرسة تابعة للاونروا في غزة.
وكم من سيدة اضطرت إلى الولادة داخل الفصول الدراسية والقصف الاسرائيلي يواصل مساراته بعشوائية في مختلف ارجاء قطاع غزة.
فتعذر وصول مركبات الاسعاف والطواقم الطبية يدفع ببعض الحوامل إلى الولادة في المكان، كما تعرضت الكثير من النساء لحالات اجهاض بسبب الخوف، الحركة الغير اعتيادية والتنقلات التي تضطر اليها السيدات الحوامل بفعل العدوان.
فقد وضعت السيدة هالة الحجاج من حي الشجاعية طفلة في احدى مراكز الايواء اطلقت عليها اسم “نور”، تأمل والدتها في الاسم أن تضع الحرب أوزراها وأن يكون فأل طفلتها عليها بالخير والسعادة رغم ولادتها في ظروف امنية قاسية.
فيما انجبت فاطمة أبو حجيلة طفلة ايضاً في احدى مراكز الايواء اسمتها غزة تقاوم ، وتقول هذا اقل ما يمكن تقديمه لغزة التي وقفت وحيدة في وجه العدوان الاسرائيلي البشع.
وسجلت وزارة الصحة في غزة ولادة ما يقارب خمسة الاف مولود خلال ثلاثين يوما من القصف الإسرائيلي، وهو رقم يستثنى منه من ولدوا في مراكز الإيواء ومستشفيات أخرى، تعذر تسجيلهم بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها القطاع.
فإحصائية الوزارة تظهر ان عدد المواليد في قطاع غزة ايام الحرب تخطى اعداد الشهداء .
ارقام
وخلال فترة التصعيد سجلت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة 4500 مولود جديد، فيما توقعت مصادر أن يزيد أعداد الأطفال الجدد كون يصل مجمع الشفاء الطبي وغيرها من مستشفيات القطاع عشرات حالات الميلاد.
وقدرت جهات احصائية فلسطينية أن يزيد عدد سكان القطاع بعد 6 أعوام إلى 2 مليون و300 ألف نسمة مما يرفع من الكثافة السكانية في القطاع.
ووفق إحصائية صادرة عن وزارة الداخلية فقد بلغ عدد سكان القطاع حتى الربع الأول من العام 2014 حوالي مليون و 870 مواطن منهم 947 ذكر و922 أنثى.
ومنذ السابع من يوليو الماضي شنت “إسرائيل” هجوما على قطاع غزة خلف أكثر1900 قتيلاً ونحو 10 آلاف جريج.
قطاع غزة/ رامي رمانة: