- تحقيق : ريماس القسام
بين جدرانٍ باردة، خلف أبوابٍ فولاذية لا تسمح حتى للضوء بالمرور، ترقد أجسادٌ لم يُنَدَّ لها باسم، ولم تُحفظ لها هوية، ولم يُثبت لها عمر. جثثٌ مجهولة تراكمت في الثلاجات لأشهر وربما لسنوات، تحمل أرقاماً لا تُشبه أصحابها، تخفي وراءها حكاياتٍ انطفأت قبل أن تُروى، وملامح ضاعت بين البرد والوقت والغياب.
هناك، في صمت الثلاجات، تنام قصصٌ لم يسمعها أحد… أرواحٌ لم تجد من يودّعها، ووجوهٌ ما زال أصحابها غائبين في ذاكرة من ينتظرونهم. وما أقسى أن يتحوّل الإنسان، مهما كان، إلى رقم يُسجَّل دون اسم… وإلى جثمان يزدحم فوق غيره بانتظار مصير مجهول.
لكن خلف هذا المشهد القاسي، يظل الجانب الإنساني هو الأعمق والأصدق. فإكرام الميت دفنه، ودفن هذه الجثث ليس إجراءً روتينياً، بل هو حقٌ إنساني لا يسقط حتى لو سقطت الهوية.
الإسراع في دفنهم هو آخر ما يمكن أن نقدّمه لهم من احترام، وآخر خطوة تمنحهم سلاماً كانوا يفتقدونه في حياتهم وربما في موتهم أيضاً

تلك الأرواح التي فقدت صوتها وحقها في أن تُعرف تلك الجثث المجهولة، التي تتناثر بين العراء، أو تُدفن دون اسم أو هوية، ليست مجرد أجساد صامتة، إنها تذكير حي بمعاناة إنسانية غابت عن الأنظار، وظُلمت في حياتها ومماتها.
هذه المأساة الإنسانية ليست مجرد أرقام تُضاف إلى إحصاءات الموتى، بل هي قصص بشرية تنتمي إلى أمهات وآباء، أطفال، فقدوا أحلامهم وأسمائهم لأسباب متعددة منها النزوح والهجرة غير القانونية أو اشخاص اضاعوا طريقهم في صحراء أو بحادث علي طريق وغيرها من الأسباب التي تؤخر معرفة هوية المتوفى .
ومع كل جثة جديدة، يبقى سؤال واحد يصرخ في صمت، من هؤلاء؟ وكيف انتهى بهم المطاف إلى هذا المصير المجهول؟
في هذا التحقيق، نحاول أن نسلط الضوء على تلك الأنفس المجهولة، وعلى معاناتهم، ونبحث في الجهود والتحديات التي تواجه محاولات إثبات هوياتهم، لأن لكل إنسان حق أصيل في أن يُعرف، أن يُحترم، وأن تُحكى قصته، مهما كانت نهايتها
كما أن الأمر لا يقتصر على الجانب الإنساني وحده؛ فالتأخر في دفن هذه الجثث يشكل خطراً بيئياً وصحياً كبيراً. فازدحام الثلاجات فوق طاقتها، أو أي انقطاع كهربائي أو خلل مفاجئ، يمكن أن يؤدي إلى تحلّل الجثث، وانبعاث روائح وملوثات تهدد العاملين والمحيط كله. إنها مسؤولية لا تتعلق بالموتى فقط، بل بالأحياء كذلك… وبصحة البيئة التي نعيش فيها جميعاً.
إن دفن الجثث المجهولة ليس نهاية… بل تصحيحٌ لتقصيرٍ طال، ووفاءٌ لكرامة إنسانية لا ينبغي أن تُنسى. هو واجبٌ يحفظ للراحلين حقهم، وللأحياء أمانهم، وللمكان طهارته.
فليجد كل جسد مكانه الأخير… ولتظل كرامة الإنسان فوق كل اعتبار، حتى عندما يصبح اسمه مجهولاً.

بداية الوصول
مركز سبها الطبي كونه المؤسسة الوحيدة في الجنوب الليبي التي تحتوي على ثلاجات لحفظ الجثث وتشريحها يتحمل العبء الأكبر في إدارة هذه الأزمة، وفقًا لمدير المركز الأستاذ “حمد حوسين” فإن الجثث مجهولة الهوية تصل إلى المستشفى من جهات أمنية مختلفة سواء داخل مدينة سبها، أو خارجها وأحيانًا نتيجة بلاغات من المواطنين الذين يعثرون على هذه الجثث في مناطق نائية.
حوسين قال “أن الجثث تأتي بموجب رسائل رسمية من النيابة العامة، وعن طريق جهات أمنية برسائل حفظ عن طريق النيابة، ويتم استكمال إجراءاتها عن طريق الخبرة القضائية والنيابة، وذلك لأخذ عينات من الحمض النووي للجثة ليتم استكمال إجراءاتهم الإدارية ليتم دفنهم في المقابر بعلامات معينه للنيابة والخبرة القضائية بمعنى ترقيم القبور بإجراءات معينة”.

وأوضح حوسين أن المدة الزمنية التي تخزن فيها الجثث داخل الثلاجة تكون على حسب الجثث وطريقة اكتشافها، لأن بعض الجثث يتم إحضارها عن طريق جهات أمنية وبعضها عن طريق بلاغات من أشخاص بوجود جثة في مكان معين، طبعًا البعض منها يظل في الثلاجة ما يقارب أسبوع، أو عشرة أيام، وبعضها يظل شهر أو شهرين أو أكثر لحين استكمال التحقيق والإجراءات القانونية.
وأكد على أن يتم تحديد الجثة مجهولة الهوية عن طريق الطبيب الشرعي بأخذ عينة من الحمض النووي DNA للجثة، وكذلك بأخذ عينة من عظام الجثة، أو أسنانها في حالة تحللها بشكل كامل وتحليلها وحفظها لاستكمال الإجراءات المطلوبة، أما تحديد سبب الوفاة فيتم تحديدها عن طريق الخبرة القضائية والطبيب الشرعي.
وأوضح مدير مركز سبها الطبي سابقا (حوسين ) أن الآلية المتبعة عند وصول الجثمان إلى المركز عن طريق مراكز الشرطة، أو النيابة يتم حفظ الجثمان بترقيم معين لحين استكمال إجراءاتها القانونية والطبية.
كما أشار إلى أن بعض الجثث تصل إلى المركز وهي متحللة بشكل كامل، ولكن ليس لها أي تأثير، أما الجثث التي تكون في بداية التحلل فهناك أساليب أخرى من الطبيب الشرعي، والمختصين في ثلاجة الموتى للتعامل معها، كحقنها بمادة “السادكس” لمنع انتشار الروائح والأمراض.

كما أضاف (حوسين ) أن الإجراءات المتبعة لتحضير الجثث مجهولة الهوية للدفن تبدأ أولاً بمخاطبة النيابة عن طريق المركز، وتكليف لجنة من بعض مراكز الشرطة والخبرة القضائية، لاستكمال إجراءاتهم بالتعاون مع المجلس البلدي سبها، لحفر القبور ودفن الجثث وترقيمها لحين التعرف على اهاليهم فيما بعد.
العمل الميداني
مديرية الأمن في سبها تعتبر الحلقة الأولي في التعامل مع الجثث مجهولة الهوية حيث يبدأ دورها فور تلقي البلاغات من المواطنين الذين يعثرون على الجثث في مناطق نائية أو مأهولة، أو من دوريات امنية في إطار عملها الروتيني.
توجه عناصر الأمن إلى مكان وجود الجثة والتحفظ على جميع الممتلكات الشخصية التي قد تساعد في تحديد هوية الجثة وبعد اكتمال جميع الإجراءات اللازمة وجمع الأدلة توضع الجثة في كيس مخصص لحفظ الجثث، والذي يساعد في منع تسرب السوائل، والروائح، ومن ثم تنقل إلى مركز سبها الطبي لحفظها في ثلاجات الموتى لحين اكتمال إجراءات دفنها.

التعامل الطبي مع الجثث
كشف الطبيب الشرعي لمركز سبها الطبي “مجدي عبد القادر السني” عن الإجراءات التي يتم اتباعها فور وصول الجثة إلى المركز، وقال: أنه عند استقبال الجثة نقوم بأجراء كشف ظاهري لتوثيق اي اصابات أو علامات قد تشير إلى ملابسات الوفاة بعد ذلك نقوم بأخذ عينات من الدم أو الأنسجة لتحليل الحمض النووي، أما في حالة الجثث التي وصلت لمرحلة متقدمة من التحلل فيؤخذ عينة من العظام والأسنان لتحليلها.
وأشار السني إلى أن الغاية والغرض من هذه العينات هو الوصول لأكبر قدر ممكن من المعلومات لمعرفة هوية الجثة، كما يتم معرفة سبب الوفاة عن طريق التاريخ المرضي للجثة والظروف التي كانت تعاني منها قبل يومين على الأقل من الوفاة.
ومع ملخص الواقعة أثناء الوفاة ومن ثم كشف الطب الشرعي، والذي يتمثل في الكشف الظاهر من ذلك، ثم بعد ذلك الصفة التشريحية للجثة وجمع العينات الطبية اللازمة، وإرسالها إلى أقسام علم الأمراض وعلم السموم، وجمع كل النتائج المتحصلة من ذلك ليتم تحديد بدقة عن سبب الوفاة.
وأوضح أن التعامل مع الجثث التي تعاني من أمراض معدية يكون أكثر حذرًا، حيث أن بعضها يمكن أن يؤثر بشكل سلبي على صحة الجهاز التنفسي للفريق الطبي المصاحب، وربما تكون بعض الجثث تعاني من أمراض معدية يمكن أن تسبب العدوى في حال ملامسة أي جسم لها، وهنا يكون الفريق الطبي أكثر حذرا حيث يتم ارتداء الملابس الخاصة وتعقيم الأدوات، وبعد الفحص التشريحي للجثث يتم ووضعها في أكياس خاصة وحفظها في ثلاجة خاصة لحين استكمال إجراءات التعرف على هويتها أو اعطائها رقم معين ودفنها.
وأكد على أهمية توفير أماكن أكثر للتشريح حيث انه لا يوجد سوى مكان واحد فقط، يستخدم للتشريح والتغسيل، ومن الضروري توفير أماكن أكثر لاستيعاب الجثث حيث أن بعضها يمكث في الثلاجات لفترة طويلة لعدم استكمال إجراءاتها.

الخبرة القضائية
كشف “عبد الرحمن منصور الشريف”، مدير مركز الخبرة القضائية والبحوث فرع سبها، عن الإجراءات المتبعة في فحص الجثث من قبل الطبيب الشرعي بالمركز.
وأوضح أن الفحص يتم بناءً على تكليف صادر عن النيابة العامة بصفتها الجهة المختصة،
وأشار مدير المركز إلى أن الطبيب الشرعي يقوم بتشريح الجثة، سواء كانت معلومة أو مجهولة الهوية، وفحص الأعضاء الخارجية والداخلية، بالإضافة إلى أخذ عينات لإحالتها إلى معامل المركز للكشف عن وجود أي أمراض.
وبيّن أن تحديد سبب الوفاة يشمل حالات الوفاة الجنائية، مثل الإصابات الناتجة عن أعيرة نارية أو الطعن أو التعذيب، إلى جانب حالات الوفاة الناتجة عن حوادث المرور أو الإصابات العرضية، مثل السقوط من ارتفاعات أو الغرق أو العطش. وأضاف أنه في حال كانت الجثة مجهولة الهوية، يتم أخذ عينة منها للتحفظ عليها وإجراء فحوصات الحمض النووي.
وأكد الشريف أنه بعد إتمام هذه الإجراءات، يتم إعداد تقرير مبدئي يُحال إلى النيابة العامة لاتخاذ القرار المناسب، سواء بتسليم الجثة لذويها في حال العثور عليهم، أو المضي في إجراءات الدفن الإداري التي تأمر بها النيابة العامة في حالة عدم وجود ذوي المتوفى.

الجانب الإنساني
يرافق العم “عبد الله” المشرف على ثلاجات الجثث منذ اللحظة الأولى لدخولها الثلاجة إلى تكفينها وتسليمها للدفن وهو ايضا المشرف على تغسيلها وعن سؤاله عن طريق التغسيل.
قال “يتم تغسيل الجثث على الطريقة الإسلامية إلا في حالة تحللها الكامل أو اصابتها لدرجة تمنع تغسيلها وتحللها الكامل أو وصولها لمرحلة الجفاف (هيكل عظمي)، هنا يتم تغسيلها على طريقة السنة وهي بالتراب، كما أنه المشرف ايضا على نظافة الثلاجات لمنع انتشار الأمراض والروائح المنبعثة من الجثث الموجودة في الثلاجات لشهور عدة”.
منظمات المجتمع المدني
وبحسب ما صرحت به عائشة عبد السلام محمد، عضو منظمة خطوة بخطوة لسيادة القانون وحقوق الإنسان فأن الإجراءات المتبعة التي تقوم بها الجمعية بحماية حقوق الجثث مجهولة الهوية، فإن المنظمة تعمل باستمرار على المطالبة بتطبيق القوانين المتعلقة بحماية الإنسان وحقوقه، بما في ذلك حفظ الجثث مجهولة الهوية بشكل مؤقت إلى حين التعرف عليها بالطرق والوسائل التي يحددها القانون.
وأكدت أن المنظمة تشدد على احترام الإجراءات القانونية من منظور إنساني، مع مراعاة المبادئ الأساسية التي تكفل الكرامة لكل إنسان حتى بعد وفاته.
وأضافت “أن هناك حاجة لتوسيع الجهود لدعم وتعزيز تطوير آليات حماية حقوق الإنسان وممارستها، بما في ذلك ضمان حق الأفراد، سواء بمفردهم أو بالاشتراك مع غيرهم، في الاستفادة من سبل الإنصاف الفعالة والحماية من انتهاكات الحقوق الأساسية”.
وأشارت إلى أن المنظمة تركز أيضًا على نشر الوعي بحقوق الطفل، مع التأكيد على حمايته من الإهمال واتخاذ تدابير تشريعية للتعامل مع مشكلات الأطفال في نزاع مع القانون.
كما أكدت على أهمية حق الطفل في حرية التعبير، بما يشمل طلب وتلقي ونشر المعلومات والأفكار بكل الوسائل المتاحة ودون قيود حدودية، إلى جانب تطوير آليات لتقديم الشكاوى والرد عليها بشأن أي انتهاكات يتعرض لها الأطفال.
لقاء خاص مع مدير مركز سبها الطبي الحالي – المهندس حسين بوزهوة

بداية، وصف المهندس بوزهوة الوضع الحالي للجثث مجهولة الهوية بأنه “ضمن المعدل الطبيعي”، موضحًا أن حالات التدفّق الكبيرة تحدث في بعض الأحيان لكنها ليست قاعدة دائمة.
ويقول أن الأعداد ليست في ازدياد ولا في انخفاض ملحوظ… لكنها تصل بشكل متواصل من الجهات الأمنية ، وأحيانًا تأتي دفعات متعددة في وقت واحد، وهو ما يخلق التكدس
الطوارئ داخل الثلاجة… انقطاع الكهرباء والتكدس وحلول على حساب المركز
وحول خطط الطوارئ، يؤكد مدير المركز أن العمل في هذا القسم الحساس لا يحتمل الانقطاع، لأن أي خلل في الكهرباء يعني البدء الفوري في تحلل الجثث.
ويشرح:قمنا بربط الثلاجات بمولد كهربائي يعمل على مدار 24 ساعة ومجهز بخزان ديزل كبير. كما أصلحنا أعطالًا قديمة في الثلاجات واستبدلنا المكيفات المعطلة بمكيفات دولابية أقوى.
هذه الإجراءات جاءت بعد صدمة واجهها عند استلامه إدارة المركز لأول مرة عام 2023.
ففي ذلك الوقت — كما يقول — وجد الثلاجات ممتلئة بجثامين وصلت إلى مراحل متقدمة من التحلل بسبب التأخير في دفنها.
ويضيف:منذ اللحظة الأولى بدأنا سباقًا مع الزمن لاستكمال إجراءات دفنهم. وبالفعل، تمكنا خلال أسبوع من دفن جميع الجثامين.
لماذا لم تُدفن الجثث؟… أزمة في “المقابر” وغياب الاستجابة
عند سؤاله عن سبب التأخير في الدفن في تلك الفترة، ينقل المهندس بوزهوة ما أخبره به موظفو الثلاجة:قالوا إنهم خاطبوا الجهات المسؤولة والإدارة لكنها لم توفر المعلومات المطلوبة.
وعندها لجأ إلى التواصل المباشر مع:
مدير مديرية أمن سبها
رئيس النيابة العامة
رئيس جهاز المباحث الجنائية
وذلك لفتح الطريق أمام استكمال الإجراءات القانونية.
لكن المشكلة — كما أكد — لم تكن في الأوراق بقدر ما كانت لوجستية.
فالجهة المسؤولة عن تجهيز المقابر هي شركة النظافة العامة، والتي — حسب قوله — لم تقم بواجبها.
ويتابع:اضطررنا، بدافع إنساني، لتجهيز المقابر بأنفسنا، بمساعدة مديرية الأمن والمباحث العامة ومركز شرطة القرضة. وما زال هذا التعاون قائمًا حتى اليوم.
ومع ذلك، تبقى المشكلة قائمة:
نقص في مواد البناء
نقص في سيارات النقل
الإنفاق على أمور ليست من اختصاص المركز
ويؤكد:لكن ما باليد حيلة… نفعل ما نستطيع حتى لا تُترك الجثامين دون دفن
2025… العودة إلى المشهد ذاته وتدخل يحسم الأزمة خلال ساعات
في عام 2025، عند عودته لتولي إدارة المركز مرة أخرى، كان أول مكان توجّه إليه هو ثلاجة الرحمة.
ليكتشف — كما يقول — أن المشكلة عادت مجددًا: وجدت الثلاجات مكتظة والجثامين تنتظر الدفن رغم أن ملفاتها مكتملة.”
فور تدخله، اكتملت الإجراءات خلال ساعات قليلة، وتم دفن جميع الجثث على دفعات، وكانت الدفعة الأولى تضم 13 جثة بقيت لفترة طويلة داخل الثلاجات.
ويعزو المدير سبب التأخير غالبًا إلى:
تجاهل بعض المسؤولين لنداءات الموظفين
عدم استكمال إجراءات بعض الجثث من حيث التصاريح
عدم تفعيل الجهات المختصة لواجباتها إلا عند حضور المدير
ويقول:عندما يصرخ الموظف ربما لا يُسمع، لكن عند حضور المدير لابد أن تُستكمل الإجراءات.
كيف يتم التعامل مع الجثة منذ لحظة وصولها؟
يوضح بوزهوة أن البروتوكول المتبع واضح:
1. استلام الجثة رسميًا من مركز شرطة القرضة.
2. إدخالها إلى ثلاجة الرحمة.
3. بدء الإجراءات الروتينية بالتنسيق مع:
النيابة العامة
مديرية الأمن
4. توثيق بيانات الجثة.
5. أخذ العينات اللازمة للتحقيق أو الحفظ.
6. استكمال تصريح الدفن ثم التنفيذ.
أزمة المستشفى… الجنوب كله على كاهل مركز واحد
عند الحديث عن احتياجات المركز، قال المدير بوضوح: نحتاج دعمًا حقيقيًا. مركز سبها الطبي هو الملجأ الوحيد لسكان فزان، ويغطي الجنوب بالكامل. هذا يجعلنا معرضين للاستنزاف الكامل.”
ويضيف أن المشكلة لا تتعلق بالمعدات فقط، بل بالضغط الهائل الناتج عن تقاعس مستشفيات الجنوب الأخرى رغم صيانتها وتجهيزها للعمل، الأمر الذي يدفعها لإحالة معظم الحالات إلى مركز سبها الطبي.

خاتمة التحقيق
الأزمة التي يعيشها مركز سبها الطبي ليست أزمة مكان لحفظ الجثامين فقط، بل أزمة منظومة كاملة: بين مسؤوليات قانونية، وإجراءات بطيئة، ونقص في التجهيزات، وجهات خدمية لا تقوم بدورها.
وبين كل ذلك، يحاول المركز — بجهوده الذاتية — الحفاظ على كرامة الموتى وإنهاء معاناتهم قبل أن تبدأ في انتظار حل جذري… يبقى مركز سبها الطبي في مواجهة مفتوحة مع أزمات تتكرر، وجثث تنتظر حقّها الطبيعي: الدفن.
في النهاية، يبقى دفن الجثث مجهولة الهوية واجبًا إنسانيًا قبل أن يكون إجراءً إداريًا. فهؤلاء الموتى، مهما كانت ظروف رحيلهم أو غياب هوياتهم، لديهم حق أصيل في أن يُواروا الثرى احترامًا لكرامتهم وصونًا لقدسية الإنسان. كما أن الإسراع بدفنهم لا يحفظ فقط كرامتهم، بل يخفف كذلك من الأضرار البيئية الناتجة عن بقاء الجثامين لفترات طويلة داخل الثلاجات أو في بيئات غير مهيأة، ويحدّ من المخاطر الصحية المحتملة على العاملين والمجتمع المحيط، فضلًا عن أثره النفسي على كل من يتعامل مع هذه المشاهد المؤلمة يوميًا.
إن إنهاء معاناة الجثث المجهولة ليس مجرد عمل روتيني، بل رسالة إنسانية كبرى، ومسؤولية مشتركة تقتضي تكاتف جميع الجهات المعنية، كي لا يُترك الموتى في انتظار قرار، أو تقع كرامتهم ضحية الإهمال. دفنهم هو آخر ما يمكن أن نقدّمه لهم… وهو أقل ما يستحقونه.
تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR














