مـا خـفـي أعـظـم.. ومـا ظـهـر أحـقـر

مـا خـفـي أعـظـم.. ومـا ظـهـر أحـقـر

  • محمد عمر بعيو

أسرار الجاسوس شوغالي المزعومة ومؤامرات الجزيرة المعلومة.

على مدى 52 دقيقة، وهو وقت قياسي بالنسبة للبرامج التلفزيونية، حاولت قناة الجزيرة المحسوبة على دولة قطر تمويلاً وإنفاقاً، والناطقة بإسم الجناح القطبي المتطرف في تنظيم الإخوان والخادمة له قولاً وفعلاً، وعبر برنامجها الوثائقي المسمى [ما خفي أعظم]، الذي يعده ويقدمه وينتجه الإخواني الفلسطيني (تامر المسحال)، أن تقدم سرديةً ملتبسة ومحرّفة عن اعتقال الروسي (مكسيم شوغالي)، من طرف قوة الردع الخاصة وبأوامر النائب العام في صيف 2019، مستعرضةً في حلقة البرنامج التي أسماها المسحال {أسرار شوغالي}، ما قالت إنها معلومات خطيرة تم العثور عليها في جهاز الحاسوب الخاص به، وكذلك ما أدلى به شوغالي في التحقيقات التي جرت معه، وما اعترف به من أعمال واتصالات ولقاءات بعدد من الليبيين، من بينهم سيف الإسلام معمر القذافي، الذي حاول المسحال تحميله مسؤولية إدخال مرتزقة الفاغنر إلى لــيـبـيــا وإثبات الدعم الروسي له من أجل الوصول إلى الحكم بالقوة.

بدايةً لابد أن أؤكد ما هو مؤكد وثابت بالنسبة لي، من رفض لكل التواجد الأجنبي في لــيـبـيــا سواء تمثل في الإحتلال العسكري المباشر لبعض مناطقها وقواعدها وموانئها ومطاراتها، كما هو الحال بالنسبة لتركيا ومرتزقتها السوريين التركمان والعرب، ومجموعة الفاغنر الروسية، أو تمثل ذلك التواجد الأجنبي في مخابرات الدول ودبلوماسييها ومنظماتها وإعلامها، وبرامج دعمها المشبوهة لعدد من منظمات المجتمع المدني، وسطوتها الأمنية على عدد من الميليشيات التي تُرعب الليبيين، وترتعد فرائصها رعباً من الأمريكيين والأوربيين والأتراك والخليجيين.

كما أنني ضد أي ليبي يستعين ويستقوي بالأجانب، عسكرياً أو مخابراتياً أو سياسياً أو إقتصادياً أو إعلامياً، ليصل إلى السلطة أو ليبقى في كراسي سلطات الأمر الواقع غير الشرعية، وأعتبر كل من يفعل ذلك عميلاً تبرأ منه الوطنية ويتبرأ من أفعاله الوطنيون.

أعود إلى برنامج المسحال ما خفي أعظم {أسرار شوغالي} لأسجل وأنقل إليكم أيها الليبيون الحقائق والإستنتاجات التي توصلت إليها بعد مشاهدتي له بعين الخبير وبعقل البصير وببصيرة الضمير:-

1-المادة الوثائقية والحوارية التي قدمها المسحال، قديمة نسبياً وليست حديثة، والشريط منتج منذ مدة ربما لا تقل عن سنتين، احتفظت به الجزيرة لأسباب تخص أجنداتها المشبوهة في لــيـبـيــا، والمرتبطة بالتأكيد بالسياسة القطرية التخريبية في بلادنا المنكوبة، وبما يخدم أيضاً ما تعتبره الدوحة المصالح والتوجهات الأمريكية تجاه الكارثة الليبية.

2- من النواحي المعلوماتية والتوثيقية لم يتضمن البرنامج أي سبق حقيقي، أو كشف عن أسرار خطيرة ومعلومات جديدة، فمن ناحية ليس القصد من البرنامج بالتأكيد إنجاز عمل إعلامي قوي احترافي موثق موضوعي، بل هو عمل دعائي سطحي تافه مكشوف للتأثير على الرأي العام الليبي، الذي لا يعرف حكام الدوحة ولا غيرهم من الأجانب والعرب درجة العناد التي تتحكم فيه، والإعتداد بالذات الليبية التي تفعل دائماً عكس ما يريده الآخرون، وهذا سيثبت مرة أخرى إذا جرت إنتخابات رئاسية حرة نزيهة، فالذين سيقف ضدهم الخارج سيكونون الأكثر فوزاً بأصوات الداخل، حتى لو كانوا دون برامج ولا مميزات ولا قدرات، يكفي أنهم مرفوضون من الخارج خاصة من أميركا قطر وتركيا وغيرها، ليتكفل العناد الليبي بإنتخابهم دون أية اعتبارات ولا حساب للعواقب.

ومن ناحية ثانية فإن النائب العام وقوة الردع، لم يكونا ليسمحا لتامر المسحال بالحصول على كل ما تضمنه حاسوب شوغالي، ومحاضر اعترافاته من حقائق ومعلومات ووثائق، فالنزعة الوطنية تظل أقوى من الإعتبارات الأخرى، وهذا ما ظهر واضحاً من ضآلة وضعف وتفاهة المعلومات التي أوردها البرنامج، والتي حاول التغطية عليها بكتابة إسم كبير لمعنى غير موجود {أسرار شوغالي}، وهو أيضاً ما حاول المسحال تغطيته بالتواصل عبر الإنترنت مع مكسيم شوغالي، الذي لم يعترف بأي شيء وتمسك بروايته عن شخصه ومهمته، وهي لا شك رواية غير صحيحة، لكن الرواية الصحيحة والكاملة لشخص وأدوار شوغالي المشبوهة في لــيـبـيــا لا يمكن أن تصدر عن قناة الجزيرة المشبوهة، بل عن إعلاميين وطنيين ليبيين محترمين ومحترفين، إذا أتاحت لهم الجهات التي تمتلك المعلومات فرصة أن يقدموا الحقيقة للشعب الليبي، وهنا لابد من توجيه اللوم إلى كل السلطات الليبية القانونية والأمنية والقضائية والسياسية، التي لا تثق في أبناء الوطن وتفتح أبوابها وملفاتها للإعلام الأجنبي صاحب الأجندات وصانع المؤامرات.

وهنا لابد من الإشارة إلى عجز المسحال في برنامجه التافه، عن مقابلة النائب العام أو قيادة جهاز الردع، ومن الإنصاف الإشادة بهذا، مع استمرار اللوم على قوة الردع بالذات التي كان عليها التعامل مع إعلام استقصائي وطني حر ومستقل، وليس إعلام إخواني مجند لخدمة أجندات تخريب لــيـبـيــا.

3-باستثناء السيد (خالد المشري) رئيس المجلس الأعلى للدولة، الذي يملك معلومات دقيقة، والذي سبق والتقى ماكسيم شوغالي ربما سنة 2018 {هذه معلوماتي الخاصة} حين كان شوغالي يتواصل مع من يعتبرهم مؤثرين محليين، فإن الحوارات التي تضمنها البرنامج مع السيدين (نزار كعوان) و(عبدالرزاق العرادي)، ومع كامل الإحترام لهما ولما أبدياه من معلومات وتحليلات تخصهما، تبدو مُقحمة على البرنامج، حيث لا علاقة لهما بقضية شوغالي، ولا معنى لوجودهما في متن البرنامج، إلا إذا كانت الغاية التلميع لعناصر الإخوان، أو التشويش عليهما لعدم رضى قطر عن توجهاتهما التي تبدو أقرب إلى الواقعية السياسية، خاصة بالنسبة للسيد نزار كعوان عضو المجلس الأعلى للدولة المتحالف مع رئيس الحكومة الشرعية السيد فتحي باشاغا.

4- المقاطع التي تضمنت كلام السيد (فتحي باشاغا) عن قضية شوغالي وإجاباته عن الأسئلة باعتباره وزيراً مفوضاً للداخلية في حكومة السيد فائز السراج، ومع حقيقة أنها مقاطع قديمة سابقة للمصالحة مع المشير خليفة حفتر، وتشكيله للحكومة في فبراير 2022، تبدو مجتزأة من سياقها وملعوب فيها بغباء وليس باحترافية، لغاية الفتنة بين الشريكين السياسيين ونكء جراح الأمس، وإحراج باشاغا وإغضاب المشير.

5- باستثناء اعتراف مكسيم شوغالي بمقابلته للسيد سيف الإسلام القذافي، دون تحديد زمن تلك المقابلة، التي تمت حسب معلوماتي سنة 2018، لم يتمكن المسحال من إثبات تورط سيف الإسلام في التآمر مع روسيا لإشعال الحرب الأهلية، وهنا لست بالتأكيد في مقام الدفاع عن المترشح الرئاسي سيف الإسلام القذافي، الذي لم ينجح ربما بسبب مستشاريه السيئين في تقديم نفسه إلى الليبيين بالصورة المناسبة، ولا إنكار وجود سيف الإسلام الآن في الحماية المزدوجة الروسية الجزائرية {حسب معلوماتي}، لكن من الظلم المبالغة في تحميل وريث أول أمس المزعوم، وسجين الأمس المكلوم، ومرشح اليوم المعلوم مسؤوليات أكبر من وضعه ومن قدراته، في ما آلت إليه أوضاع لــيـبـيــا وفي أسباب كارثتها {التي يتحمل سيف الإسلام نصيبه فيها قبل وأثناء 2011 خاصة خطيئة تحالفه مع الإسلاميين}، لكنه الأضعف مسؤوليةً وتأثيراً بعد 2011 التي أمضى معظم عشريتها السوداء سجيناً لا حول له ولا قوة.

وتبقى حقيقة أن الصراع على السلطة في لــيـبـيــا، يدخل هذه السنة 2023 إحدى أشد مراحله قسوة وشراسة وإقصاء وإلغاء وتجاذبات واستقطابات، وهذا يضع على القوة الوطنية الحقيقية مسؤليات كبيرة تجاه القضية الوطنية، تتجلى في مستوييها المتوازيين الخطيرين/

خلق وتطوير الوعي الشعبي الجمعي بالحقائق والوقائع..

وتحريك الشارع الليبي في اتجاه خوض معركة وجود الوطن والكيان، واستعادة الدولة عبر صناديق الإنتخابات..

وإذا استحالت إمكانية استعادة الشعب سلمياً لحقه في أن يكون مصدر الشرعية ومانح ومانع الثقة للسلطات، فيكون البديل الإجباري هو التحول إلى الحالة النضالية الوطنية الشاملة والعارمة سلمياً إن أمكن وهذا أفضل، أو بالقوة إذا تمادى متسلطو الداخل ومتدخلو الخارج في الاستخفاف بهذا الشعب، الذي قد يصبر وهو بالفعل صبر وانتظر، لكن ليس إلى ما لا نهاية، فالإنفجار الممكن هو البديل الوحيد عن الإنفراج المستحيل، وذلك هو القانون الأساسي الحاكم لحركة التاريخ، والتاريخ لن يتوقف عن الحركة في اتجاه الحرية، وليس التحرك عكس إرادة الشعوب في الحياة.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :