مقاربة حول الاشتراطات لعملية انتخابية ليبية مثمرة

مقاربة حول الاشتراطات لعملية انتخابية ليبية مثمرة

بقلم ::البانوسي بن عثمان 

كان من الصحيح – في تقديرى – أن تكون مهام المرحلة , التى أعقبت انهيار وسقوط من بيدهم  إدارة دواليب البلاد خلال العقود الأربعة الماضية أن تذهب في اتجاه بلورة ما يؤسس للإرهاصات الوطنية . التى جاءت مع انتفاضة وغضب الناس بليبيامع نهاية شتاء 2011 م.وذلك عبرالعمل على تهيئة البيئة والظروف المناسبة التى تساعد على احتضان ونمو وتجذّر جمّلة المفاهيم .التى جاءت مع فبراير لتُمهد لصِيغة بديلة لشؤون إدارة الحكم بالبلاد يتمكن بها الليبيون ومن خلالها التأسيس لإدارة راشدة يصرّفون بها شؤونهم داخل بلادهم , بما يعود عليهم في حياتهم بالنفع ويُبعدهم فيها عن ضنك العيش.

ففى الوقفتين الانتخابيتين السابقتين لم نوفّق كليبيين في التعامل معهما على أنهما خطوتان تأسيسيتان  . حين غفلّنا أو تغافلنا عن توفر الأسباب المطلوبة لإنجاحهما. وعجزنا عن التحرك في اتجاه العملية الانتخابية واعتبارهاواحدة من الوسائل الهامة , التى من خلالها نمهّد إلى بلورة مطالب الناس . التى جاءت مع انتفاضتهم في شتاء 2011 م .

بل سعى البعض إلى عكس ذلك تماما عن ترصد وسبق إصرار .حين شاهدناهم وهم يسعون وبإصرار ملّفت . في اتجاه تحّميل أوّزار كل هذا العبث الذى يعصف بالبلاد للمفاهيم التى جاءت مع انتفاضة الناس في فبراير 2011 م . ومنها صندوق الاقتراع والورقة الانتخابية .والشواهد على ذلك كثيرة . ومنها ما أتحفتّنا به إحدى  قنوات التلفزة الليبية التى تبث  من خارج البلاد (الأردن) . من خلال استطلاع مُتلفز قصير لا يتجاوز في مدّته  دقائق ثلاث , دأبت تلك المُتلفزة على عَرّضه عديد المرات خلال اليوم الواحد .  سجّلته تلك القناة فى لقاءات من داخل الشارع الليبي. عَكَس َغضب وتذمّر الناس وإحباطهم من طوابير الخبز والوقود والمصارف وغيرها . ثم نشاهد هذه المُتلفزة ,  وهى تُذيّل وتختم مَشَاهد استطلاعها ,بلقطات من داخل مراكز اقتراع , الليبيين وهم يدفعون بأوراق اقتراعهم داخل الصندوق الانتخابي .في محاولة من تلك القناة لخلّق في ذهن وعقل مُتتبعيها ومن خلال تلك المًشاهد الغاضبة  ,حالة من الارتباط الشَرّطي بين صندوق الاقتراع وحالة  الإحباط والتذمر والغضب , الذي  يعّتمل في صدور الناس , ويظهر في كلمات غاضبة على ألسنتهم  . وهذا استنتاج غير دقيق من تلك القناة وعمل غير بريء  . محمّل بسوء كبير تجاه ليبيا والليبيين في حراكهم وسعّيهم نحو بلورة وإنضاج  حوّكمة  رشيدة , تتكئ على العملية الانتخابية وتعّتمد المسار الديمقراطي في إدارة الشأن العام بالبلاد .

ولهذا – وفى تقديرى–يجب على الليبيين  وبرعاية الهيئة الأممية فى وقفتهم الانتخابية المقبلة, أن يعملوا وبجد على تفادي كل الأخطاء , التى جعلت من صندوق الاقتراع خلال الوقفتين السابقتين , أن يأتي بمُخرجات . أقل ما يقال عنها بأنها مخّرجات سيئة  . وذلك بأن يتعاملوا مع الوقفة الانتخابية القادمة . على أنها خطوةتأسيسه ولا شيئ غير ذلك . وبقول آخر . يجب على الليبيين وبرعاية الهيئة الأممية القبول بترّشيد صندوق الاقتراع , كي يأتي بمخرجات جيدة . تُريح الناس من خلال أدائها في تعاطيها مع شأنهم العام . وستعمل ومن خلال أدائها الجيد المأمول وعلى نحو تلقائي, على ترّسيخ  السلوك الديمقراطي وتجذرّه ومُراكمته في مضامين ثقافتهم اليومية .

وفى تقديرى أيضا. على الليبيين بمعية الهيئة الأممية . التحرك في هذا الاتجاه حتى ولو اضطرّهم ذلك للذهاب , نحو آليّات تحمل فيما تحّمل استثناءات قد تكون مُوجعة للبعض .ولكن يجب على  الجميع تفهّمها وقبولها . ما دامت ستنتهي بنا بعد حين  إلى وضع جديد , يُتاح فيه للجميع حق المنافسة والتداول السلمي على السلطةوفق الكفاءة والجدارة , و يُبعدنا عن الصدام المدمر .الذي يأتي على كل ما تطاله يده من بشر وشجر وحجر .

وترّشيد صندوق الاقتراع ليس بالعمل العسير . بل هو بوجه من الوجوه . وضع خيارات جيدة امفام الناخب ,  خيارات تمّتلك قدّرا جيدا من النضج والحس الوطني والسلوك المسؤول والكفاءة . وأعتقد بأن قانونا انتخابيا جيدا . قد يفي بحد أدنى من هذه المطالب .إذا تناغمت مواده مع الباعث الذي دفع الناس في ليبيا نحو الانتفاض مع فبراير 2011 م .ولم تتعارض وتتنافرمواده أيضا مع حاجات الجغرافيات الليبية الثلاث. فهذه ومن مجّملها يتشكل ما تعارفنا علية بالوطن الليبي  .

وثمت خطوة ترّشيدية أخرى تدعم وتكّتمل بها سابقتها . خطوة يتم المرور إليها ومعالجتها عبر البوابة الدستورية . وباكّتمالها نستطيع توفير حد أدنى من حضور الحس الوطني داخل قاعة البرلمان المقبل , وسينعكس ذلك وبوضوح على نقاشاته وتفاعله مع قضايا الشأن العام  . ويُبّعده عن الشطحات (الفوقوطنية) . التي كانت وفي الغالب مطيّة (للآخر) يعّتليها ليصل بها إلى مواقع استنزاف الموارد والطاقات . ويتخطّى بها أنانية وسذاجة التداولات (الماقبلوطنية) التى تجاوزها الزمن .

وهذه الخطوة – في تقديري– ليس بالأمر الصعب تحققها على أرض الواقع . لو تحلّينا بالموضوعية عند تناولنا للجغرافيا الليبية , التي من مجّمل أبجدياتها تتشكل  هذه الخطوة . فالجغرافيا وفي العموم تعتبر المفردة الأساسية التي ينهض ويتشكل منها وعاء الوطن  . ومن القراءة الموضوعية  لجغرافيا بلادنا , نجدها تقول. بأن ليبيا تنتمي إلى جغرافيات غرب المتوسط . وأن الديمغرافي الثقافي الليبي يشدّها إلى الفضاء المغاربي المتوسطي. ومن هذا كله ,نخّلص إلى أن المجال الحيوي الموضوعي لليبيا ينحصر في الجغرافيا المغاربية المتوسطية . التي يجب أن تُعّطى لها الأولوية على غيرها من الجغرافيات من حيث التواصل والتفاعل الاقتصادي والسياسي والأمني والثقافي وفي كل المجالات ,ففي ذلك استدعاء للأمن والاستقرار وتأسيس لديمومته بليبيا والإقليم وحوض المتوسط .ومن هنا ولصناعة أرضية وطنية حاكمة, تنطلق من عليها كل النقاشات والتفاعلات داخل قاعة البرلمان المقبل , ولكي تسّطبغ كل مخرجاته بصبّغة وطنية .  علينا الذهاب نحو التنصيص دستوريا لهذا المجال الحيوي لليبيا, وإعطائه الأولوية في التواصل والتفاعل الإيجابي البناء في جميع المجالات الحياتية على غيره من الجغرافيات .مما يجعله حاضرا دسّتوريا ودائما داخل القاعة . وبهذا نتمكن من ترّشيد النقاشات والتفاعلات داخل قاعة البرلمان , وندفعها دائما لتتخذ وجّهة وطنية  .

ودعوني أقول في الخاتمة  . بأن التعاطي–في تقديري – مع هذا الطرح يساعدنا على الوصول إلى مخرجات انتخابية تمتلك قدرا مقبولا من المأمول منها . سينعكس ذلك على  أدائها وتعاطيها مع الشأن العام إيجابيا بليبيا ومحيطها الجغرافي . وسيصب أيضا في خدمة توجهات الهيئة  في ميثاقها , وسعّيها في اتجاه زيادة مساحة الديمقراطيات على رقعة الكرة الأرضية , ونشر مناخات الأمن والاستقرار في أنحاء هذا العالم البائس ولكن – وفي تقديري– أيضا , بأن الذهاب في اتجاه يتجاهل هذا التناول , ويبّتعد عن هذا الطرح سينتهى بنا إلى إعادة إنتاج الماضي . الذي لم يًفلح خلال العقود الأربعة المنصرمة في تأسيس بنية تحتية متقدمة , تُغطى كل مجالات الحياة بالبلاد , تتناسب مع موارد البلاد الطبيعية . ولم يتمكن من وضع قاعدة متينة  لاستقرار وأمن طبيعي بليبيا , تتكئ على علاقات جيدة وبناءة . اقتصادية . سياسية. ثقافية . وغيرها مع مجال البلاد الحيوي في محيطها الجغرافي  . واكتفى عن كل ذلك , بالمعالجات والإدارة الأمنية للبلاد . مما ضيق في هامش الحرية , وانتهى به إلى عبث القمع والملاحقات والتصفيات الجسدية داخل هذا السجن الكبير وخارجه .

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :