غيث سالم
عند التحاقي بالخارجية في البيضاء عام 1966 كانت فيها مجموعة من المباشرين رحمهم الله بينهم من هو من غدامس ومن فزان ومن الزاوية ومن بنغازي ومن درنة ومن أجدابيا عمي حسين الغدامسي وحسين الصويعي وسعد الفزاني وعمي سلطان ، استقبلونا بكل ترحاب واستضافنا البعض منهم على الإفطار في شهر رمضان ، من هذه المجموعة كان هناك مباشر من أصل شركسي من سكان بنغازي شعره أشقر وعيناه زرقاوتان بشرته بيضاء تميل إلى الحمرة قليلا ، أنيق في ملبسه ، كانت الوزارة تشتري لكل مباشر كل عام كسوة كحلية اللون وربطة عنق سادة وقميصين وحذاء ، كان يدعي معرفة كل شيء .
ويتابع الإذاعات ولا أدري لماذا يصر على سماع إذاعة تيرانا البث العربى التي كانت تتكلم بلسان رئيس ألبانيا الشيوعي المتطرف أنور خوجة الذي كان يرى وقتها أن كل الحكام الشيوعيين في العالم من ماوتسي تونج في الصين إلى بريجينيف وخروتشوف في الاتحاد السوفييتي إلى جوزيف بروز تيتو رئيس يوغوسلافيا الاتحادية هم مرتدون ومخالفون للمانفيستوا وتعاليم ماركس ولينين ومعادون للبوليتاريا في العالم ، المهم هذا السيد المباشر كان طوال الليل يستمع إلى هذه الإذاعة وفي الصباح وخلال العمل يحاول استعراض معلوماته مع الموظفين وكان يصفنا فئة الملحقين الجدد ( فروخ) مايعرفوا شي !.
مع هزيمة 5 يونيو 1967 ، انتشرت بعض المصطلحات العسكرية وكان أهمها مصطلح الغطاء الجوي ، حدث أن حضر لديوان الوزارة اثنان من أريتريا من المدخل وجههما شرطي الحراسة إلى إدارة المراسم التي كانت مكاتبها في مدخل الديوان وكان سي المباشر أول من قابلهم بلباسه الأنيق ومظهره الذي يظهر عكس طبيعة عمله ، قدما نفسيهما بأنهما وفد يمثل جبهة تحرير أريتريا وأنهما من أصل عربي التي تخوض حربا ضد نظام إمبراطور الحبشةً هيلاسيلاسي الذي تحتل جيوشه أراضيهم ، وأنهم يأملون مساعدة ليبيا لهم ، وبدلا من توجيههم لصالون الاستقبال وإبلاغ أحد الموظفين عنهم ، وجه لهم سؤالا واحدا ، هل لديكم غطاء جوي ؟
بُهت الرجلان ولم يجيبا فقال لهما يبدو أن جبهتكم ليس لديها غطاء جوي ، سكت الرجلان لعدم منطقية الاستنتاج ، فأضاف وبدون غطاء جوي لا يمكن تحقيق نصر ، وأنهى المقابلة ، انصرف الرجلان ، وبدون الدخول في تفاصيل كان الخبر عند رئيس الوزراء خلال ساعات ، الذي طلب من وزير الخارجية التحقيق مع من صدر عنه هذا الكلام ، في الصباح قام مديرو الإدارات كل بجمع موظفيه للوصول إلى المَعْنِي الذي ظنوه أحد الموظفين ، وفي إدارة المراسم وبينما مديرها يستفسر من موظفيه .
وكان هو يجلس عند الباب في انتظار تلبية أي تعليمات التقطت أذناه الفضوليتان الموضوع الذي يستفسر عنه المدير، عندها دخل للمكتب وتطوع بالمعلومة بأنه هو من استقبل الرجلين بالأمس وأنه تقديرا منه لعدم جدية جبهتهم في حربها ضد جيش هيلاسيلاسي لعدم امتلاكها غطاء جويا فقد صرفهم حرصا منه على وقت الموظفين ، تحركت الجهات الأمنية التي توصلت لمقر إقامتهما في أحد الفنادق المتواضعة .
حيث توجه أحد موظفي التشريفات إليهما واصطحبهما لديوان الوزارة ، وحسبما عُرف لاحقا تم الاعتذار لهما وإبلاغهما أن من استقبلهما بالأمس ليس مسؤولا وغير مكلف وتصرف من عندياته وستتخذ ضده الإجراءات القانونية ، لا أدري تفاصيل ما جرى معهما بعد ذلك ، لكن الذي عرفته أن أخينا المباشر هذا عوقب بخصم أسبوع من راتبه وتأخير ترقيته لمدة عام.