من رواية ” زمن الغبار “

من رواية ” زمن الغبار “

فاطمة بن محمود

     عندما حل موكب الرئيس كان كل شيء جاهزا، تم اقتلاع شجرة زيتون صغيرة من أرضها وجاء بها عمّال البلدية اللذين هيأوا الحفرة وطمروا عروق الشجرة. تقدم رئيس الدولة بخطى حاول أن يجعلها ثابتة وسط مرافقيه وفرقة من الأمن الرئاسي المدجج بالسلاح وطائرتي هيلوكوبتر عسكريتين تحومان فوق المكان، الوضع العام في البلاد مربك فقد كثرت الاحتجاجات الشعبية لأن الأوضاع متردية جدا وازدادت توترا منذ أيام قليلة بعد عملية إرهابية تم فيها اغتيال السياسي البارز محمد البراهمي، لكل ذلك ينذر الوضع العام  في البلاد بخطر محدق لا يمكن أن يستثنى منه الرئيس نفسه لهذا تم نشر حراسه في كل مداخل الحديقة التي وقع إخلاؤها من الناس قبل يومين من هذا الموعد. اقترب رئيس الدولة وبيده مجرفة نظيفة وأخذ يسوي التراب الناعم حول جذع الشجرة، مجموعة من أعوان الأمن أُبعدوا عن مجال التصوير وتم التقاط تصفيقهم الحار. حتما هناك علاقة بين مقاومة الإرهاب وزرع شجرة، الرئيس نفسه لا يعلم كيف يكون ذلك لكن الإعلام الوطني سيجد تلك العلاقة، كما أن إعادة تهيئة حديقة عمومية تؤكد أن الرئيس في خدمة الشعب وهذا مهم أيضا..

في تلك اللحظة التي اندلع فيها وميض من عدسات الكاميرا تصور فخامة الرئيس يتصدى للإرهاب بمجرفة في يد ه وهو يقف  أمام  شجرة  زيتون صغيرة غريبة عن أرضها  وعند الحاجز الأمني الأول كانت امرأة تصرخ  “أريد أن أخبر رئيس الدولة بكل شيء”، تلقفتها أياد قوية وشدتها إلى الوراء وانهال  عليها الصراخ من كل جهة غير أن عناد المرأة شديد، لم تهدأ حركتها و لم يخفت صراخها، تحاول بجهد بيّن أن تتملص من قبضاتهم وهي تصرخ “أتركوني سأخبر رئيس الدولة “، و أمام تشبثها بلقاء الرئيس ازدادت قبضاتهم التي تحيط بمعصميها وكتفيها ضغطا وهي تشدها إلى الخلف حتى شعرت أنها تكاد تسقط، لكن عنادها كان شديدا لذلك تلوّت بين أيديهم وهي لا تزال تصرخ “أتركوني، أتركوني سأخبر رئيس الدولة بكل شيء “. كان يجب على أعوان الرئيس أن يكونوا أكثر كفاءة في التصدي للمرأة الغاضبة والعنيدة، وفي لحظة خاطفة سمع بعض ممن كان قريبا ارتطاما شديدا على الأرض ولم تدري المرأة نفسها ما الذي حصل: هل هي ضربة شديدة من متراك° أحدهم أو أنها انفلتت من بين أيديهم وسقطت بقوة على الأرض.؟

     شعرت أنها تسقط في بئر عميق، وبصعوبة يصلها الصوت الزاعق لسيارة الإسعاف، إنها لا تشعر بجسدها وكأن عجلات السيارة تجري فوقه ثم لم تعد تعي شيئا.

= =

° متراك: (كلمة بالفرنسية) تعني العصا الغليضة التي يحملها البوليس.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :