- البانوسي عثمونة :: البوانيس :: سبها
فى اخر جلسة من جلسات التحقيق معه . امام نيابة امن الثورة . والتي دامت على مدار جلسات عديدة . بفواصل زمنية متباعدة . فاجأه المحقق فى نهاية الاستجواب . متسائلا باستفهام غير صريح . قائلا :- الغريب فى كل ما جرى معك وبك . بان الطائرة التى اقلعت من شرق البلاد . مُتوجهة الى العاصمة . وعلى متنها اربعه وستون راكبا . عادت الى البلاد بذات العدد اربعة وستون راكبا دون نقصان . رغم احتجازك فى المطار . الذى حطت الطائرة على اطراف مُدرجاته البعيدة . بعد تدخلك فى خط سيرها ووجهته شرقا . وانتهيت بها الى الهبوط . بإحدى جزر شرق المتوسط .
جاء تساءل المُحقِق مُضّمر . فى صيغة تقريرية . تساءل حينها فى ما بين نفسه . لماذا لم يَصُغ بن يونس . ما قاله فى تساؤل صريح ؟! . هل كان يعرف مسبقا . بان استفهامه على نحو صريح . سياتي وكأنّه جاء الى المكان الخطأ ؟ . فما من علاقة تربط المُستجَوَب الجالس امامه بالاستفهام . الذى يسعى الى معالجة وتفكيك هذا التلّغيز المُحير .
ام ان هذا المُكتنز القصير ذو الوجه العريض . وجد نفسه مُلزما بطرح استفهامه فى صيغة تقريرية . نُزولا لرغبة تلك المنظومة . التى كان عُنصر فى كادرها . والتى رأت في التساؤل والاستفهام اداتها المُتبقية الوحيدة . للوصول الى معّرفة جزئية قد غابت عنها . من مشّهد حادثة خطف الطائرة . كانت تعوّل كثيرا على تلك الجُزئية . فى اجهاض الحدث . فى حالة حضورها فى داخل المشهد لحظتها . وتفاعلها مع مفرداته .
فسعت تلك المنظومة عبر هذا الاستفهام . الى مُحاولة استدعاء . واستعادة مسار الحدث . فى تدرّج خطواته . التى قد تأتى وتُعاد وتُرّتسم وتُصاغ بمفردات الاجابة . الذى كان تساءل بن يونس يُحاولها .
ام ان التساؤل فرضه الضرف الاستثنائي . الذى تمت فيه عملية الخطف . والذى كان يجب على شاغليه . تَحيّد وإبعاد كل الاعمال . التي تنّدرج تحت شاكلة هذه الافعال . فالأجهزة الامنية , كانت فى اعلى درجات الاستنفار . بغرض تأمين احتفالات تلك المنظومة . التي لا يفّصلها سوى مسافه زمنية . لا تتعدى الثلاثة ايام . عن مهرجان يوم الزيّنة . فى احتفاليته الكبرى . التي دَرَجت على اقامته . وعلى نحو مُوسِمي منتظم دون تقديم او تأخير . وقد رتبت وعملت واجّتهدت تلك المنظومة . فى مَوّسمه العاشر . ذو الصبغة الاستثنائية . على ان تظهر احتفاليتها على نحو استثنائي ايضا . لتكون بها ملّ السمع والبصر . فى محيطها القريب والبعيد . فاجتهدت وسعت نحو تزّينها . بحضور حاشد كبير ومهيب . يضم جُل من كان يعّتلى . سدّة وادارة فضاء شرق المتوسط وجنوبه . ممن يتحدثون لسانها .
لقد كان الاستنفار الأمني ظاهر امامه بوضوح . عند وُلُوجه مبنى المطار . الذى وصل الية متأخرا بعض الشيئي . فقد وجد المسافرين وقد اصطفوا فى طابور طويل . امام باب معدني مُتَنقل . مُعدْ ومزود بجهار فحص . يصّدر عنه صفير حاد. لحظة مرور مسافر متلبّس بخطأ ما . بُرّمج الباب على التقاطه . عندها يُسّحب المعنى جانبا . ويعاد تفتشه يدويا . كانت هذه الاجهزة حينها . فى بداية دخولها دائرة العمل فى المطارات والمعابر . ذات الصبغة الاستثنائية .
التحق بالمصّطفّين . وعندما صار على بُعد . مسافران اثنان من الباب الأمني . بادر من نفسه . محاولا تخطّية الى قاعة المسافرين . عبر باب جانبي لصِيق . فأعاده العنصر الأمني الى طابور الاصطفاف . ولحظة عبوره عتبة الباب الأمني . لم يصدر عن الباب أي اشارة او اندار او صفير . وتجاوز عتبته بسلام . الى قاعة المسافرين . تساءل في ما بعد : – هل تواطؤ الباب معه . يرَّجع الى حماسه الحاسم . للذى سيقوم بفعّله ؟ !. فغلّفه حماسه هذا . بطاقة وشحنة نفسية عالية . تمكّنت هذه . من عزل بدنه وما يرّتديه ويحّمله . عن جهاز الإنذار بالباب . فَغالطت وشَلتّ مَجسّاته . فعجز عن إصدار أي شارة او تنّبيه او صفير .
ام ان الباب الأمني . كان قد بُرّمج على مسح وجس . الجزء العلوى لجسم المسافر فقط . لحظة مروره بعتبته . فعجزت مَجسّاته عن كشف . ما كان يخفى فى عنق الحذاء الطويل . الذى ينّتعل . لحظة عبوره الباب .
عندما دلف الى داخل قاعة المسافرين . كانوا قد شرعوا فى مغدرتها صوب الحافلة . التي ستنقلهم الى الطائرة الرابضة على بُعد عشرات الامتار عن مبنى المطار . عند صُعوده الحافلة فضل البقاء واقفا امام الباب . بعدما ثبت يده بمقبض بلاستيكي . يتأرجح من سقف الحافلة . فعل هذا . كي يكون فى اوائل الصعود الى الطائرة . ليحتل ويجلس على المقعد . الذى كان قد اختاره وحدّده فى رحلة استكشافية سابقة . على ذات الخط . جاء الاختيار بعنايه . لما يُوفّره المكان . من تسهيل وتيّسير خطوات ما ينوى فعّله . خلال الدقائق الثلاثين القادمة . حينها تكون حركة المُضيفات بالطائرة . قد تراجعت الى حدها الادنى . وصار الممر خالي وسالك الى قُمْرة القيادة .
ما ان تحركت الحافلة صوب الطائرة التى هناك . فاجأه من كان يقف بجانبه . مُتسائلا :- الى اين تتجه هذه الطائرة ؟ !. اجابه على نحو آلي الى العاصمة . كان لحظتها منّشغل بكل طاقاته . فى استنهاض كل قدراته الذاتية . معنوية كانت ام بدنية . فلم يجد التساؤل الفائت سبيل الى حيز تفّكيره . فقد كانت كل حواسه منّشغلة ومسّتنفره . لمعالجة ما قرر على إنْفاذه , وبنجاح خلال الساعات القادمة . فانزاح التساؤل الى ركن قصى بذاكرته . وكَمُن هناك .
بغرفة التحقيق وفى اخر جلساته مع بن يونس . استثار استفهام المسْتجّوِب الجالس خلف مكتبه . ذاكرته , فاسْتدعت من الماضي القريب . كل تفاصيل الحدث . الذى جاء الاستفهام . يُحاول نبّشه واستدعاءه الى حاضر المكان والزمان .
لقد انّشغل بالاستفهام وشَغَله . بعدما اُعيد الى زنزانته الافرادية بالسجن . ففى عزلتها الغارقة فى الصمت . طفحت الوقائع بكامل تفاصيلها على سطح ذاكرته . فملأة كل حيّز تفكيره . فها هو رفيق الحافلة . وهو يقف بجواره . بقامة اقرب الى الطول . وقد خُطت سحّنته وهيئته . بملامح سبعّينات اروبا الشرقية . وصدى تساؤله . الذى جاء بعربية تخالطها لكّنة اعّجمية . يتردد ملْ اُدنيّه :- الى اين تتجه هذه الطائرة ؟ .
تساءل فى زنزانته المظّلمة . هل يقبل ذو عقل . هذا التساؤل على عِلّاته . فى تلك اللحظة وفى ذاك الضرف المُركّب ؟ ! . فقد جاء التساؤل على بُعد امتار من صعود الطائرة . ويتساءل صاحبه عن وجهتها . ام كان للتساؤل مآرب اخرى ؟ . آيُعّقل من راكب . استطاع بقدرات ذاتية استثنائية . من تخطى كل نقاط المرور الى الطائرة . وفى هذا الضرف المسّتنفر امنيا . ويجهل وجهة الطائرة التى سيستقلها ؟ . ثم وعلى بُعد خطوات من الصعود . يتساءل عن وجهتها . ام ان للاستفهام وجه اخر ؟ . فهل كان ؟! . ؟! . ؟! . هل كان هذا الغريب . الذى يقف بجواره . والذى جاء بتساؤل يرتكز بكلّيته على مسار الطائرة ووجهتها . كان يُحاول ان يقول له :- لا تحاول التدخّل فى مسار ووجهة الطائرة . فنحن على عِلم بنواياك ؟ ! .
ولكن . من اين لهذا الغريب . ان يعرف ما كان قد خطط له . وما كان ينوى القيام بفعّله ؟ ! . وهو لم يلّتقيه الا مند لحظات . فهل نحن فى عصر تُقرا فيه النوايا وما تخّفى الصدور ؟. ام ثمت خطأ ما . اوّقعه فى شباك تلك المنظومة ؟ . وهو يُحاول احد مراحل الطريق . الذى سلكه بتكتم تام . راغبا فى الوصول مع نهايته . الى الابتعاد عنها . وعن ملاحقاتها اللصيقة . بسلاح التخويف والترهيب والتدّجين ؟ . . ام ان هذه المنظومة . قد كانت اكثر تعقيدا مما كان يضنّه ويتوقعه ؟ . فلم يظهر منها امامه . سوى كادرها المَحلِى . والذى من عناصره هذا المُحقّق الذى يسّتجوبه ؟ . واذا كان لها وجهها المحلى ؟ ! . فهل لها وجه إقليمي ودولى . فى كوادر عديد , قد يكون احد عناصره . هذا الذى يقف بجواره . بسحنة خُطت بملامح سبعينات اروبا الشرقية . وصدى تساؤله . يتردد مل اُذنيه بعربية . تُخالطها لكّنة اعجمية :- الى اين تتجه هذه الطائرة ؟ .
تساءل فى ما بين نفسه . آيُعّقل. ان تكون هذه الفسيفساء الجغرافية . التى تتحدث لسانه . وتغطى بامتداداتها جنوب وشرق المتوسط . وبعد مرور هذه المُدد . التى تٌقارب قرن من الزمان . لم تشب بعد على طوّق الوصاية . وتتخطى سن الانتداب ؟! . ولايزال بهذا . كل ما عليها من بشر ووبر وحجر من رعاياه !!.
عندما بداء يعود ويتعافى تدريجيا . من حالة الاستغراق التأملي . التى احتوته اثناء ملاحقته تلك الاستفهامات التى عصفت بتفكيره . وصار يتحسس واقعه الوجودي تدريجيا . الذى بداء فى الظهور والتشكّل امامه . فى زنزانة انفرادية , لا يتجاوز طولها قامته الا بقليل . ويحتويها وعلى نحو دائم الاظلام التام . ولا تُفّتح . ليُغادرها سوى مرتين فى اليوم . لزمن لا يتجاوز الدقائق الخمس فى كلتيهما . شرع بعدما اكتمل حضوره الوجودي فى آنيه . فى استعادة احداث ما قام به . بكل التفاصيل الرئيسية و الثانوية . من لحظة انبثاق الفكرة فى رأسه . الى لحظة اقتحامه قُمْرة القيادة بالطائرة . فى محاولة منه . لقراءته ومراجعته من جديد . بغّية التعرف على الثغرة . التى تسلّلت منها تلك المنظومة . الى نسيج ما حاكه ودبّره. فى محاولة منها لنقّضه قبل إنفاذه وإتمامه .
انتهى .
*كل ما جاء فى النص . كان من نسج الخيال .