عمرو أبو جودة
للعيد قداسة من المفترض ألا يقربها الحزن، لكن الحزن كافر بالقداسات كلها. أمسكت بيد العجوز، ضممت يدي عليها جيدًا، لا أدري أكنت أخشى أن تتركني فجأة؟! أم أنني لم أصدق بعد أنها ستصحبني إلى حيث أروي شغفي! وعندما خرجنا من باب البيت كانت الدنيا بين الظلمة والنور، الظلمة تلفنا والنور يغزوها من هناك حيث السماء العالية في المشرق البعيد، الهواء يداعبنا برفق ويطبع على وجنتينا قبلاتٍ باردةً كأنه يهنئنا بالعيد. الناس في الشارع تخرج جماعاتٍ جماعات ، ترتسم على وجوههم الفرحة كلوحة أبدعتها يد فنانٍ مُجيد. الملابس الجديدة والعطور الفواحة تملأ الجو بهجة وتضفي على الكون جمالًا وألقًا. تكبيرات العيد تصدح من أبواب المساجد ونوافذها لتطرب أذاننا، تنبعث ندية كأنما تحملها أيدي الملائكة فتنثرها على عباد الله لتبارك لهم عيدهم. أسمع تمتماتٍ من فم العجوز لا أكاد أتبينها، ألتقط بعض الكلمات كلما مررنا بالقرب من مسجدٍ أو جماعة من الناس يكبّرون “الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا”، أتمتم معها ومعهم، وما إن نبتعد ويخفت الصوت حتى أتوقف عن التمتمة، فأنا لا أحفظ ما يقولون، والعجوز لا ترفع صوتها. وكلما رأيت أطفالًا يلعبون بملابسهم الجديدة أفلت يدي من يدها، أقف أرقبهم بصمتٍ وحذر، موزعًا عينيّ بينهم وبينها، أخاف أن تتركني وتمضي، وفي الوقت ذاته لا أستطيع مقاومة رغبتي في رؤية الأطفال يلعبون، يُخرجون من جيوبهم كراتٍ بنيةً صغيرةً أصغر من حجم قبضة اليد، ملفوفة بسلك حديدي رفيع، ما يلبث أن يضعها أحدهم في يده، ويحكم عليها قبضته، ثم ينفخ فيها بقوة، ويلقيها على الأرض بكل ما أوتي من طيش، أو ربما بكل ما أوتي من فرح، حتى تُحدث دويًا عظيمًا ينخلع له قلبي، فأجري وراء العجوز ناظرًا خلفي أرقبهم حتى يغيبوا عن ناظريّ، أشد بردة العجوز، تنتبه إليّ فتنظر، أقول لها أريد ” بومب ” كالذي يلعب به الصبية فتومئ لي برأسها موافقة وتقول: حينما نعود سأشتري لك ما تشاء.