- فسانيا :: نزيهة عبدالله
الرّحِيلُ الْمُفَاجِئُ أَدْمَى قُلُوبَ الْأحِبّةِ
كنتُ كعادتي مشغولة بتجهيز العدد وكان عليّ التواصل مع كل الصحفيين وتجميع المواد الصحفية من مقالات وتقارير ومواضيع ثقافية ، قد يبدو العمل الصحفي للكثيرين نوعا من الرفاهية ، وخاصة أولئك البعيدون جدا عنه ، لكنه في حقيقة الأمر متعب جدا على كل الأصعدة وخاصة على الصعيد النفسي ، رغم تعرض الوسط للكثير من الفجائع والفقد ورغم تعرضنا في فسانيا بشكل خاص لفقدان ثلاثة زملاء قُتل اثنان منهم على يد الميليشيات والعصابات وغادرنا الآخر بعد صراع طويل مع المرض ، فشكل رحيلهم ثالوثا موجعا وسّم أرواحنا بنيران الفقد التي لا تنطفئ ، لكننا لأجلهم ولأجل ليبيا استمررنا في أداء عملنا الشاق الجميل .
لذلك كان عليّ بعد كل عدد وقبل كل عدد التواصل مع الزملاء داخل وخارج سبها ، ومن الزميلات القريبات للروح الزميلة راضية الزنتاني مشرف صفحة الحوادث بالصحيفة ، وفجأة طالعني خبر منشور على صفحة السقيفة الليبية بعنوان عميد الصحفيين الليبيين في ذمة الله! انتهى الخبر وكأن شيئا ثقيلا سقط على رأسي ، كيف حدث ذلك يا الله ما أقرب الموت . تواصلت مع العزيزة راضية ، كاتبةً لها عظّم الله أجركِ يا راضية. سألتني بذهول في من؟ أجبتها في عمك السنوسي ، الحقيقة لم أعرف هذه القامة الصحفية الكبيرة عن قرب ، لكنني عرفته من خلال ما يكتب عنه ، ممن تتلمذوا على يديه من كبار الصحفيين الليبيين . عرفته من خلال راضية التي خصصت له زاوية ثابتة في صفحتها الحوادث والتي لم تستوعب خبر رحيله حتى الساعة
. عرفته عن قرب من خلال مقال كتبه الدكتور سالم أبوظهير الأخ والزميل في صحيفة فسانيا العدد(178) بتاريخ 24-1-2016م وعندها كان الفقيد يمر بوعكة صحية فكتب عنه ( كل الدعوات الصادقة ، والأمنيات الطيبة بالشفاء العاجل ، أوجهها باسمي الشخصي ،واسم زملائي في صحيفة فسانيا، وباسم كل الصحفيين الليبيين والعرب ، إلى شيخ الصحفيين الليبيين ، الأستاذ المحترم السنوسي محمد العربي الهوني،الذي يرقد منذ أسبوعين ، في إحدى حجرات مركز طرابلس الطبي، تلتف حول عنقه ووجهه أجهزة التنفس الاصطناعية ،بسبب التهاب رئوي حاد ،أسأل الله أن يشفيه شفاءً تاما لاسقم بعده. هذا الشيخ الوقور المثقف الذي قضى سنوات مهمة من عمره ،في خدمة الصحافة الليبية بشكل مستمر لا يكل ولايمل منذ أكثر من نصف قرن، يشتغل في مجال عمله كصحفي قدير، دخل لهذه المهنة من بابها الواسع ، وتعلمها على أصولها ، ودرسها أكاديميا حتى تحصل بتفوق على شهادة البكالوريوس في العلوم الصحفية من الجامعة الأمريكية في بيروت منذ سنة 1962 م .بعد أن تدرج في تعليمه الأكاديمي في وقت صعب ،أنهى دراسته الابتدائية والإعدادية في أجدابيا ، ثم التحق بإحدى المدارس الثانوية في بنغازي ، درس بعدها في الجامعة الإسلامية في البيضاء، وفي طرابلس درس اللغة الإنجليزية وتعلمها، في المعهد الثقافي البريطاني ونال منها شهادة الكفاءة بقسميْها. بدأ العم السنوسي العربي عمله في الصحافة ،كمراسل لصحيفة الحقيقة التي كانت تصدر يوميا من مدينة بنغازي، بعدها انتقل للعمل كمحرر بصفحة الرياضة بصحيفة الحرية ، ثم سكرتيراً للتحرير بها حتى سنة 1970م ، وفي الفترة من سنة 1970م إلى 1972 ترأس الأستاذ السنوسي العربي تحرير صحيفة اليوم الأسبوعية ، وفي الفترة من سنة 1974م إلى 1976 م شغل أمين لجنة تحرير صحيفة الفجر الجديد. انتقل بعدها للعمل خارج ليبيا حيث باشر عمله بمكتب شركة النشر والتوزيع والإعلام في العاصمة البريطانية لندن . في بريطانيا أيضا أسندت له مهام رئيس تحرير مجلة التصدي الفصلية والتي كانت تصدر عن المنظمة العالمية المعادية للاحتكارات باللغتين العربية و الإنجليزية . ليتقلد بعدها منصب رئيس التحرير لمجلة شؤون أفريقية،التي كانت تصدر كل أربعة أشهر وبثلاث لغات، العربية والإنجليزية والفرنسية . إلى جانب اهتمامه بالعمل الصحفي ، للأستاذ السنوسي العربي مشاركات متميزة ، في تقديم وإعداد البرامج للإذاعتين المرئية والمسموعة ،حيث أعد وقدم سهرات مرئية ومسموعة متعددة مباشرة ومسجلة ،وذلك بمشاركة عدد من زملائه الإذاعيين ،أبرز هذه البرامج كانت مشاركته الكاتب الشاعر أحمد الحريري في تقديم سهرات مرئية ، وفي الإذاعة المسموعة قدم الأستاذ العربي ولمدة موسمين إذاعيّيْن دراسة تراثية قيمة وموسعة تتناول الأمثال الشعبية في ليبيا . السنوسي العربي يكتب الشعر أيضا ، فقد صدر له ديوان شعر عنوانه إبحار ، كما كتب الشعر الغنائي ،وقد تغنى بشعره الجميل عدد مهم من الفنانين الليبيين والعرب أهمهم الفنان سلام قدري و الفنان أحمد فؤاد و الفنان محمد الجزيري و الفنان محمد السيليني و الفنان خليفة الزليطينى . لدى الأستاذ السنوسي كتاب تحت الطبع سيصدر قريباً عنوانه الإسلام والبيئة ، وقبل أن يتعرض لوعكته الصحية كان بصدد إعداد دراسة تراثية حول الأمثال الشعبية، وكان يعمل على إجراء التعديلات الأخيرة على كتابه الذي يتناول العلاقات الأمريكية الصهيونية والموقف الأمريكي من قضايا الوطن العربي. هذه مصافحة سريعة أحببت من خلالها مصافحة العم السنوسي الذي كان لإرشاداته وتوجيهاته القيمة ،دورٌ مهمٌ في تعليمي مهنة الصحافة ،عندما التحقت للعمل بصحيفة الشمس الليبية فوجدته معلماً حكيماً صبوراً ،يقدم خبرته لكل من يريد الاستفادة بصدر رحب ,, شفاك الله أستاذي الفاضل الرائع السنوسي العربي ومدك الله بالصحة والعافية وطول العمر المديد.) انتهى مقال الدكتور سالم أبوظهير الذي كتبه قبل ثلاث سنوات من رحيل المغفور له بإذن الله تعالى عميد الصحفيين الليبيين ، لتبقى زاويته في هذا العدد فارغة ، غادرنا وهمته للعطاء لمْ تَخْبُُ رغم سنواته الثلاثة والثمانون (83 عاما) ورغم صراعه الطويل مع المرض . . حيث سُجّيَ جثمانه الثرى بمقبرة سيدي منيدر.
تقول راضية الزنتاني أمنني عمي السنوسي العربي على طباعة ديوانه (إبحار ) وهو موجود عندي ، طلب مني طباعته ونشره لكني لم افعل بعد .وتضيف كما أنه شرع في كتابة ديوان آخر بعنوان رسائل إلى حفيدتي ، لكن الموت سرعان ما خطفه