- خاطرة : زينب إزراي
في رحلة محفوفة بالمخاطر والأهوال، يعكس “موتى الرمال” مأساة شباب سبها الذين راهنوا على التهريب كطريق نحو حياة أفضل، لكنهم وجدوا أنفسهم في مواجهة قاسية مع صحراء لا ترحم.
يروي الناجي الوحيد قصة الألم والفقدان، محذرًا من تجارة الموت التي لا تفرق بين صغير وكبير، والتي تسلب الأرواح بلا هوادة.
في مدينة سبها، قرر مجموعة من الشباب السفر تهريبًا نحو الشمال الليبي، على أمل الوصول لاحقًا إلى أوروبا.
قال لهم المهرّب بثقة: “الطريق مضمون، والرحلة لن تتجاوز ثلاثة أيام”، لكن الحقيقة كانت موتًا بطيئًا.
استقلّوا سيارة “تويوتا” قديمة من نوع “دفندر”، ومعهم ثلاثة جِرار من الماء وصندوق من التمر.
دخلوا طريقًا صحراويًا لا يعرفه إلا المهرّبون، لكن في منتصف الرحلة هبّت عاصفة رملية، وضاعت البوصلة، وتعطّلت السيارة. بعد يومين، نفد الماء، وصار التمر كالتراب في أفواههم. ضعفت أصواتهم، جفّت جلودهم، وغارت أعينهم.
في اليوم الرابع، حفر أحدهم حفرة بيديه وقال بصوت متهدّج: “يا رب، هذا قبري… أموت وأرتاح”، وأسلم روحه وهو يحفر. أما الثاني، فقد استبدّ به الجنون، فضحك ضحكًا هستيريًا.
الثالث شرب من بوله.
أما الرابع، فظلّ يحدّق في الشمس كأنه يرى ملاكًا.
الناجي “آدم”
كان بينهم شاب يُدعى “آدم”، التزم الصمت، وفي قلبه دعاء واحد: “يا رب، إن نجوت… سأحكي القصة لأحذّر الناس”.
في اليوم الخامس، قرر ترك السيارة والسير وحده.
قطع أربعين كيلومترًا زحفًا على الرمال، عيناه تدمعان من وهج الشمس، ريقه جاف، وجسده شبه ميت.
عثر عليه راعٍ من الطوارق، سقاه ماءً وبكى من شدّة ما رآه عليه من إنهاك.
عاد آدم إلى سبها، ووقف أمام الناس قائلاً: “التهريب ليس سفرًا… التهريب تذكرة باتجاه واحد نحو الموت.
كل أصدقائي الذين رافقوني ماتوا عطشًا في الحفرة التي حفروها بأيديهم.”
العبرة:
الصحراء صادقة… تمنحك الموت بلا تردد. والتهريب تجارة موت، لا رزق فيها.














