• فريدة الحجاجي

اسم يُطلق في ليبيا على عُمّال ذوي بشرة قمحية داكنة، أتوا من بلاد بعيدة لا نعرف عنها الكثير ، للقيام بالاعمال التي لم يعد اي ليبي يرضى القيام بها وعلى رأسها حمل “جرادل” الكناسة من امام بيوتنا وافراغ محتوياتها النتنة في سيارة النفايات التي عادةً ما تتحفنا بشريط ثقيل من الرائحة التي تزكم الانوف في كل مكان تمر فيه، متنقلين معها تحت الشمس الحارقة أو البرد القارس من مكان لآخر لتوفير لقمة العيش لأسرهم البعيدة .. لا ندري عن حياتهم شيئاً سواء في بلدهم او بين ظهرانينا، لا نرهق انفسنا بالاهتمام بأحوالهم او التحدث اليهم بل وحتى بالنظر الى وجوههم .. فهذه امور لا تعنينا ! خلال السنوات التي عملت فيها كمتطوعة مع احدى اهم المنظمات الانسانية في العاصمة الايطالية روما والتي تعني بتدريس اللغة للمهاجرات واللاجئات من الدول النامية وتعريفهن بالثقافة الايطالية والفنون، تعرّفتُ على الكثير من الأسر من البنغلاديش، وهم يكونون واحدة من اكبر الجاليات المهاجرة في ايطاليا، يعمل افرادها الذكور بتجارة المواد الغذائية في محلات صغيرة بينما تقوم النساء بالاهتمام بالاسرة وبتربية الابناء وممارسة بعض المهن اليدوية مثل الخياطة والتطريز ..

وقد لاحظتُ ان لدى افراد الجالية ميل كبير للتعلق بتقاليد بلدهم والحرص على نقلها للاجيال التي ولدت وتربت في الغرب، مما قد يخلق لهم بعض الصعوبات في الاندماج مستقبلاً في بلد المهجر ، وهم أناس مسالمين وكرماء من النادر ان تجدهم طرفاً في نزاع مع الاخرين او في مشاكل مع الامن أوالسلطات المحلية الايطالية ..اسم بلدهم البنغلاديش مكون من شقين (بنغلا) تشير الى البنغال و (دش) يعني بلد أو أرض، اي تعني (أرض البنغال)، كانت جزء من الهند ثم انفصلت سنة 1947 لتصبح الجزء الشرقي من الباكستان وانفصلت عنه بسبب الاهمال الاقتصادي والتمييز السياسي واللغوي، وهكذا تكونت دولة البنغلاديش سنة 1971 .. بلد شديد الكثافة السكانية والكوارث الطبيعية، دخلت المسار الديمقراطي في اوائل التسعينات بعد سلسلة من الاضطرابات والانقلابات العسكرية ، وأحرزت تقدماً مذهلاً في التنمية البشرية في التعليم وفي المساواة في التعليم بين الذكور والاناث وايضاً الحدّ من النمو السكاني، وتمّ وضعها في قائمة الدول الاحدى عشر المتوقع تفوقها اقتصادياً ، ومن الطريف انها من الدول التي يتجاوز عدد الرجال فيها عدد النساء ! وعلى الرغم من معوقات الاعراف والتقاليد الاجتماعية والتنفيذ السيء لقوانين حماية المرأة، استطاعت النساء في دولة البنغلاديش-كمثيلاتها في دول المنطقة كالباكستان المسلمة واندونيسيا وكذلك الهند- الوصول الى اعلى المناصب في الدولة التي يدين الـ 88% من سكانها بالدين الاسلامي ، حيث شغلت ليس فقط منصب وزير الخارجية وانما رئيس البرلمان وزعيم المعارضة ووصلت الى منصب رئيس الوزراء، في نظام برلماني ديمقراطي تقام فيه الانتخابات المباشرة ويدلي فيه المواطنون بأصواتهم مباشرة كل خمس سنوات ! ويبقى التساؤل قائماً :لماذا استطاعت النساء المسلمات في هذه الدول الوصول الى قمة السلطة في بلدانهن ولم يحدث ذلك في بلداننا العربية ؟ فريـدة#الحياة_تبدأ_بعد_الستين