نظام ذهاب الشيرة 2-1

   نظام ذهاب الشيرة 2-1

تَنّوَه  

مايشبه ترسب التجارب والمعرفة

سعاد سالم

لندع جانبا كل المصطلحات السياسية التي تضفي مفرداتها ومصطلحاتها على قائلها هيبة العارف، ونرجع قليلا إلى تعبير ليبي شائع، إلى فترة قريبة، ولم يعد متداولا -لحسن الحظ-حتى في صيغة دعي الأمهات علي صغارهم وهو ذهاب الشيرة ، بشطره الثاني الذي يقر حتمية عمي البصيرة . فذهاب الشيرة  كمصطلح أو اسم  يعبر عن حالة من التشتت وضياع التركيز، وغياب الرشد، وفي الوصف : فلان مذهوبة شيرته، تقول دون حاجة إلى شرح وتوضيح، أن فلان هذا لا يتصف بالحكمة ولا بالحصافة، أو أنه أحمق، متهور،أو فاسد الأخلاق، أو الأفكار، أي أن اختياراته ستودي به إلى اسوأ مصير.

لَعْروف أهم من الجذور؟

لا أعرف متى ظهرت مسألة التخصصات، مافصل العلوم عن بعضها، وكأن هذا الانفصال بين شتى المعارف سواء كان مقصودا أو لا، إنما جرد تاليا الناس وبصورة مطردة من قدرتهم على أن يكونوا جماعات متعاونة،وذلك بسيطرة علم واحد على بقية العلوم، وبروزه كمحرك أساسي فيما هو وفعليا الفرع المهم في الشجرة، ولكن كيف للفرع أن ينمو لولا وجود البذرة من الأساس، التي تنمو جذورها كشرط أساسي لنمو الساق وباقي النبتة بما فيها التُمرة. والجذر هنا هو المجتمع .

لذا وحسب تصوري أن تكون السياسة هم عام ،هو إهمال متعمد للجذر، أي إهمال المجتمع، فقبل أن تظهر مفردة الدستور، كان اسمه عقدا اجتماعيا، أو عرفا( بصرف النظر عن دلالته السيئة بالليبي)، وهو عقد يضع الخطوط العريضة لشكل الحياة المشتركة، ليس في صيغتها التوافقية بل في صيغتها الأحدث ،الأكثر مرونة لتشمل بالمصلحة كل المختلفين وتمنح المجتمع أهم شروط النمو والتطور وهو السلم الأهلي الذي يضمنه احترام الحرية الشخصية والمسئولية الفردية عن هذه الحرية ويحظر أي نوع من الوصاية، باعتبار نقص الأهلية في أفراد المجتمع من قبل أي سلطة، ببديهية أنها سلطة منتخبة، لتدير شؤون مجتمعاتها،و تسهيل الحياة.على الناس.

الملهاة= الخَضْ

كلكم يعرف قصة الفيران في الشكارة، ودلالاتها السياسية المموهة والتي تشير إلى إغراق الناس في مشاكل مختلقة تقع في  أدنى هرم ماسلو (الأكل والشرب والتكاثر) فتلخص هزّ الشكارة بأنه إذهاب شيرة الفيران، فهي بالهز لن تجد الفرصة لقرض الشكارة، اسنانها التي تمثل التفكير وانتاج الحيل لن تجد الفرصة لاستخدامها، 

تعالوا ننظر في هذا النوع من أنظمة  ذهاب الشيرة التي لايهم من يقودها، مدني، عسكري، شيخ، مثقف، امرأة(غالبا ليس لديها فرصة أصلا) أو رجل، لأن أساسا هذا النظام الفردي (رئيس) أو نيابي (برلمان) افراز اجتماعي، أو أنه يتعلق بجذر الدولة أي المجتمع ونوع العقد بين أفراده، و هو فقط  أي نوع العقد من ينبئ عن حالة الجذر الصحية، غذاء كاف، ماء كاف، واكسجين كاف، وشمس كافية ،ومساحة ترية كافية،توجد آفات أو أرانب في الجوار أم لا، وكما لاحظتم، أننا كمجتمع نحتاج للبيئة ذاتها التي تنمو فيها النباتات بشكل صحي،فتصبح بالتالي فيها ومنها تُمرة! أو تيبس واقفة.

ولعل الغرام بموت الشجرة وهي واقفة، يوضح بلا أدنى تخفي حجم التضليل،وابتذال اللغة وإشاعتها من قبل ممن مصلحته هز الشكارة، لأنه متعمدا يرسخ في الذهنية أسبقية الموت على الحياة، فالأصل أن تحيا الشجرة فإن ماتت الشجرة، وذلك لابد لسبب مؤسف خارج عن إرادتها مس جذورها تحديدا، فإن ماتت أخبروني ماذا يفيدها وقوفها؟ حسنا، عندما قضمت أرانب أخي جذور شجرة التوت في الجنان الخلفي لبيتنا القديم مات نصفها، حين حفرت جحورها ممزقة النصف الأيمن من جذور التوتة الممتدة تحت الحظيرة، وبقى نصفها الآخر مخضرا وينتج التوت ،ولكن لاأعرف إن قطعها الساكن الجديد، ماأعرفه أن أي شخص سوي، لن يحتمل رؤية الأشجار الميتة، أو نصف الميتة، دون أن يجرحه وقوفها. 

لهذا عندما يتكلم الناس عامة الناس في السياسة، عوضا عن انتفاعهم بجودة التعليم،وجودة الحياة الاجتماعية وجودة الخدمات ،وعوضا عن الاستمتاع بالترفيه والمعارف ، فنون ، أدب، متاحف ، سينما، مدن ملاهي و رحلات وسفر،ومهرجانات، ومتنزهات، و يخوضون في ما يفترض أنهم خولوا مجموعة برلمانيين وحكومة لإدارته، حسب الدستور أو العقد الاجتماعي الذي وضع لهؤلاء أعني النخبة السياسة، من خطوط عريضة التي تنشأ بموجبها قوانين هدفها المحافظة على روح الأمة وغاياتها في رفاه يشمل الأجيال القادمة،ليتفرغ الشعب ونخبته تلك خارج الدوام الرسمي إلى شؤونهم الخاصة و هواياتهم و لعائلاتهم وأطفالهم ،أعرفوا  أن النظام القائم هو نظام ذهاب الشيرة، الذي  يرهقنا بلغته الرثة الماضوية، ويجعل الاختلافات مشكلة عوضا عن ثراء ،والتغيير مؤامرة، عوضا عن فرصة للمضي قدما، ويتقاسم الخطاب السياسي والديني والشوفينية التاريخية السيطرة على أغلب البث الإذاعي،بكل حمولتها من المصطلحات ومن قوانين ومن إجراءات تخضْ حياة عامة الناس ، الذين أدخلوا أفواجا في الشكارة ، 

دستور الناس 

للشعب الهولندي الذي أعيش فسطهم ، فترتين ينشغل فيها وإلى حد ما بالسياسة، وهما الفترتين اللتين تستوجب منه اعطاء صوته كل أربع سنوات لمن يرغب أن يفوز من الأحزاب، ليشكل الحكومة، ومرة أخرى حينما يعطي أصواته لمن يريد من الأحزاب أن يكون لها الأغلبية في مجلس الشيوخ، ليمكنه تمرير التشريعات التي يؤيدها.وهذا لايعني أن الناس راضون عن الأداء الحكومي ،فالطبقة المتوسطة ترى أن حزب الحرية الذي يرأس قائده  مارك روته  رئاسة الوزراء انما هو حزب يحابي الأثرياء ، ولهذا بدا أن الناس تذهب رويدا في اتجاه الأحزاب اليمينية، ربما للمثابرة الشديدة من هذه الأحزاب التي تحول الغضب من الأثرياء  إلى جهة أكثر ضعفا وهم الأجانب .لكن غير ذلك فهم يتمتعون ووفقا للدستور الهولندي بالحقوق التي يعرفها الجميع وحتى التعديلات التي أجريت عليه ، صبت كلها في مجاراة التغيرات والتطور، مامنح هذا الشعب فرصة الانصراف إلى شؤونه الخاصة، عطل ، سفر، ترفيه، والأهم مسئولية كل فرد هنا عن خياراته لأنه اتخذها بإرادته الحرة التي كفلها له العقد الاجتماعي بما فيها قدسية جسده التي لا تسمح للطبيب بلمس المريض دون أن يستأذنه ويشرح له بالتفصيل ماذا سيلمس وماذا سيفعل ولماذا.

____ يتبع 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :