هاهو الوطن يدخل مرحلة جديدة من عمره بعد طول عناء ، بتشكيل حكومة الوفاق الوطني التي لم تتوافق عليها جميع الأطراف كالعادة ، لكن الطبقة المسحوقة من أبناء الشعب الليبي التي عانت ويلات الحرب والدمار والتهجير رحبت بها ، بل تنفست الصعداء بفرضها بقوة مجلس الأمن الدولي وببنوده التي فاقت العشرين تحذيرا وتهديدا ووعيدا ، ولو عدنا قليلا للوراء وتفحصنا المشهد السياسي الليبي, ترى بعد خمس سنوات من عمر الثورة والفوضى والاقتتال الداخلي هل استوعب الليبيون الدرس ؟
هل أدركوا أن انقسامهم لأطراف قزمية متشتتة لا يبنى الوطن؟
وأن البكاء على اللبن المسكوب لن يحقق هيبة دولية ، وأننا إن لم نتفق فإن هناك من سيفرض علينا الاتفاق بالشرعية الدولية التي ستنظر لمصالحها التي لا نشكل إلا جزءً منها شئنا أم أبينا .
الآن والدول تتسابق على فرض تأشيراتها حتى على نواياهم قبل أشكالهم, هل أدرك الليبيون أن الانتخابات المبنية على صلة الدم والقرابة والمناطقية والجهوية لن تُوصل لسدة الحكم سوى الجهلة والمراؤون والسراق والمرتزقة ، وأن الخطر الأكبر أن نصبح فنمسي بلا وطن وأن نفقد كل يوم مدينة جديدة وأن الحكايات التي تبدأ في الشوارع الخلفية تتصدر في العادة المشاهدة في الواجهة ، وهل أدرك الجنوبيون خاصة القابعون في الضفة البعيدة على أطراف القارة الأخرى أن اختياراتهم مخجلة ولا تلبي الطموح ، ففي ظل تخلف الكفاءات الوطنية الصادقة ، تصدر المشهد من حولوا الوطن لسلعة بخسة تباع بلا ثمن تحت طاولات الاجتماعات المزركشة في دول الجوار ، ليتقاسمه تجار العملة في سوقهم السوداء ، الآن ربما أدرك الليبيون أنهم وصلوا لمرحلة اللارجوع, فإما أن تكون ليبيا دولة وإما أن تتلاشى مسلوبة الإرادة من على خارطة العالم ، ولعل الرفض الشعبي العارم للسياسيين الجاثمين على سدة الحكم الليبي منذ فترة خير دليل على أن الشعب الليبي حليم متسامح صبور ولكن من الصعب استغفاله .