بقلم :: عبد الرحمن جماعة 

انتشر في الآونة الأخيرة على الفيس بوك الإطراء المفرط، والثناء المبالغ فيه على العهد الملكي في ليبيا، والإشادة بإنجازاته، والتغني بمكرماته، وكأنه مدينة أفلاطون الفاضلة، أو هو جنة الله على أرضه!.
فهل هي نوع من (النوستالجيا)، أم هي نكاية في العهد الذي تلاه؟،
أم هي نوع من (المازوشية) ورغبة دفينة لدي إنسان العالم الثالث بأن يكون مملوكاً، يُورث بما ملك، من الملك إلى ولي عهده؟،
أم هي عدم قدرة الإنسان العربي على تقبل فكرة (الحرية)، التي تردفها وتقترن بها بطبيعة الحال (المسؤولية)؟!
لكن جولة بسيطة في تاريخ المملكة قد يبين لك أن ذلك العهد لم يكن أجمل ولا أحلى ولا أمثل ولا أفضل من غيره.
فالليبيون هم الليبيون، والقبلية المقيتة هي ذاتها، والفساد الإداري والمالي هو عينه، والتصفيق للحكام وتمجيدهم وتأليههم هو نفسه، زد على ذلك أن الليبيين في ذلك العهد كانوا أكثر بساطة وسذاجة وأمية وجهلاً وعنجهية وتخلفاً وتزمتاً وفقراً… وربما قرفاً.
نحن لا ننكر أن لذلك العهد حسنات، قد يكفي آباءنا أنهم أسّسوا دولة من لا شيء، ووحدوا أقاليمها، وثبتوا أركانها، وصار لها اسم وعلم ونشيد، وصار لمواطنها هوية.
أنا أعرف أن البعض قد اغتر ببعض الصور التي تبدو جميلة وراقية وحضارية.
لذا أحيلك وألفت انتباهك إلى أمر بسيط؛ وهو أن الكاميرا لم تكن في كل جيب كما هي الآن، ولو كانت كذلك لرأيت ما تشمئز منه نفسك، وينفر منه طبعك، ويستهجنه عقلك.
لكن الكاميرا يا سادة يا كرام، كانت أعز من الأبلق العقوق، وأندر من الكبريت الأحمر، فلا تكاد تجدها إلا عند علية القوم، وهي ترف لا يطوله عامة الناس، فما عساها تلتقط لك وهي ترفٌ عند مترفين؟
ولهذا فأنت لا ترى في الغالب إلا صوراً جميلة تعبر عن نخبة من الشعب، لا عن الشعب.
لذلك عزيزي القارئ فإن الصور الجميلة التي يحلو لك التغني بها، والتغزل فيها، ونشرها على صفحتك، لم يسعها أن تُظهر السواد الأعظم من الناس.
لكن ومع ذلك فثمة صور أفلتت بطريقة أو بأخرى قد تبين لك واقع الحال عن أغلب الناس في تلك الحقبة، كالصورة المرفقة مع هذه المقالة.
وختاماً فإن المقصد من هذا الكلام هو أن لا نغالي في مدح من لا نعرف عنهم إلا النزر اليسير.
وتذكّر.. أن حقبة لم تعشها لا يمكنك أن تستاء منها، مهما كبر السوء فيها، كما لا يمكنك أن تستاء من حاكم لم تكن يوماً تحت سلطانه.
فكن منصفاً، ولا تُبالغ في مدح أو ذم، فقد يسوؤك يوماً ما ستراه ممن تمدحهم، وقد يسرك يوماً ما ستراه ممن تذمهم.
والأهم من كل ذلك؛ أن نتطلع إلى المستقبل، ونعمل لما هو آتٍ، بدل أن نبقى أسرى لماضٍ فات، وعهدٍ ولى وانقضى.