نَقْشٌ

نَقْشٌ

 ( القَاصّ / عَبْدُالْحَفَيظَ الشّرِيف ) 

حينما فرغت ولتوّها من وضع اللمسات الأخيرة على منحوتتها والتي هي عبارة عن تمثال بعينين كئيبتين لرجل بكامل ذكورته المتحجرة بداخله ،قالت وبصوت مرتفع أنا الآن انتهيت منك أيها الحجر الأصم، أنا من شكلك ينتابني شعور بالندم ولا أدري ما الذي يمنعني من أن آخذ فأسا وأنهال عليك وأحطمك ،كما أنني لا أدري لماذا اخترتك في صورة رجل؟ ربما شخت وبدأت أحلامي تشيخ أيضا .،وربما هو الخوف ..كان من المفترض أن أنحتك على هيئة فرس جامحة لها جناحان تريد أن تطير مثلا ،أو أي صورة أخرى تعج بالأنوثة ،لكن ربما هي الغيرة ،أدارت ظهرها له وهي لازالت تتمتم بكلمات أو لنقل عبارة عن عجين من الكلام الحاقد…أنت الآن وببرودتك هذه ،وجمودك الحجري وصقيعك وبلادتك المحنطة أبدا ووحدتك التامة،تشبهني كثيرا ،مع الاعتذار لصمتك…فأنا الفنانة التي أصاغتك في هذه الصورة..،أو بنرجسية لم أستعملها من قبل فأنا سيدتك وأنا الآن في العقد الخامس من عمري ولم يمسسني بشر مثل الأرض البور برغم أولئك الرجال الذين عبروا مخيلتي في زمن خصوبة الخيال وأولئك الرجال الذين عبروا جسدي عبر أحلام اليقظة ،أنت لا تدري ولن تدري أبدا كيف كنت أعيد ترميم أولئك الرجال بخيالي الجامح حيث كانت أحلامي تحبل بأحلام أخرى ، وفي أكثر احلامي جموحا كنت أركعهم مثل عبيد ،كنت أذلهم وأحنطهم مثلما أنت الآن، وبشبقي الزائد عن الحاجة وحب الانتقام منهم كنت أحيل أي ذكر لا يعجبني إلى مجرد بقايا إنسان. .وفي كل حلم أعود خائبة وأنت لا ترى فضاعة ذلك الإحساس الكئيب الذي ينتاب المرء بعد الخروج من حلم لايكتمل أو أي شيء من هذا القبيل….لكنك أنت مختلف عنهم بمظهرك هذا اللامحتشم وسيضعونك كما أنت عارياً في إحدى الساحاتِ الكبيرة ،في مكانٍ يليق بالأصنام حيث تقف وبلا خجل .،وسيحيلونك إلى رمزٍ تاريخي أو نصب تذكاري لإحدى المعارك الوهمية ربما والتي لا تعنيك في شيء . . وستتحول إلى مجرد قواد يتخذك العشاق مكانا للقاء والاستراحة من النار التي تأكلهم وسيحولونك إلى مكان لفضلاتهم ناهيك عن الأتربة التي ستتكدس من حولك وعلى كامل جسدك الحجري العاري وستتحول إلى مكان تستريح عليه الطيور المهاجرة وأكياس البلاستك والعلب الصدئة وأعقاب السجائر فضلا عن عدم احترامهم لك في زمن الحروب ،وستمر عليك فصول السنة كاملة ،الشتاء بأمطاره وقساوة برودته ودفئه اللذيذ والربيع الذي سيمر عليك بلا فائدة لأنك بدون إحساس ثم يمر عليك الصيف بحرارته وثقل ساعاته الطويلة المملة والخريف بتقلباته وربما هذا هو وجه الشبه بيننا .أنا وأنت أقصد أنا الفنانة وأنت كتلك الحجر وينتابني شعور بأنني أنجزت مهمتي على أكمل وجه ولكن وبعاطفة أنثى تبكي في أي لحظة ،بسبب وبدون سبب سأتركك ولكنك ستلقى الاهتمام في اليوم الذي يريدون الاحتفال وإحياء ذكرى تلك المعركة والتي أنت مجبر على الوقوف بصمت سرمدي ليلا ونهارا ولسنوات طوال وربما لقرون اعتمادا على صبرك الذي لاينفذ ودن أن تعنيك تلك المعركة التي وقعت أو لم تقع أصلا إلا في أدمغتهم وهي لا تعنيك في شيء إلا أنك وفي ذلك اليوم تحديدا ستنعم بالغسل والنظافة وإعادة ترميم بعض أجزائك المهشمة …وسأكون أنا في مكان ما.أفتش في رأسي عن حجر آخر . ويسكن ذاكرتي ركام من الحجارة

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :