محمود السوكني
من المؤلم أن يجادلك بعض من كنت تعتقد في سلامة فهمهم ورجاحة عقلهم في مسألة النضال الفلسطيني وحق تقرير المصير لشعب يعاني وحده هذا الغبن الذي تحالفت قوى عظمى على صناعته وغرسه في خاصرة الوطن العربي دون أن تثنيها علاقاتها الحميمة ومصالحها المشتركة مع باقي دول المنطقة على فعل ذلك .
خمسة وسبعين عاماً من التشرد والضياع وشتى أصناف المهانة والذل يتجرعها هذا الشعب المنكوب دون أن يتحرك الأشقاء العرب لنجدته ولا الإخوة في دين الله فعلوا ! كل ما فلحوا فيه شعار مبتذل سئمت الأذن سماعه (فلسطين قضية العرب الأولى) وهو ما تلوكه الألسن في كل محفل دون أن تنطقه القلوب ولا تحمله المشاعر ولا يخفق لسماعه الوجدان لفراغه من أي معنى ، لأن قائله بكل أسف لا يعني مايقول وبالطبع لا يقصده .
في السابع من إكتوبر جاء الطوفان ليحيي هذا الشعار ويذكٌّر القلوب بالمعنى العميق الذي يرمي إليه ، جاء طوفان الأقصى ليذكرنا بمأساة فلسطين وينبه العالم بمدى فداحة الجرم الذي إرتُكِب في حق هذا الشعب الذي لا ظهير له سوى عزم الرجال وإيمان العجائز .
قبل السابع من إكتوبر كادت القضية أن تتلاشى ولعلها تلاشت بالفعل بعد أن شاهدنا بحسرة وألم طوابير الخانعين من المطبعين ، اللاهيثين نحو حضن خليلهم النتن ، يقدمون بسخاء فروض الولاء والطاعة حتى يضمنوا بقائهم على رقاب شعوبهم .
لم تكن منظومة الإعلام الصهيوني المتغلغلة في كل الوسائل الإعلامية العالمية تذكر القضية أو تشير إلى عدالتها وكل مايعنيها أن شعب الله المختار جاء رحمة إلهية لهذه المنطقة التي ينخر فيها الفساد وينمو في مساربها الإرهاب ، حتى كانت صحوة السابع من إكتوبر فإذ بالمفاهيم تتغير ، وإذ بالحقيقة تنجلي ويتأكد العالم أن دويلة العصابات الصهيونية هي منبث الفساد ومرتع الإرهاب الدولي المنظم وأبانت تصرفاتهم الهوجاء عن مايضمرونه من حقد للجنس البشري الذي لا يسلبون حربته فحسب بل وحياته في أبشع الصور .
جاء الطوفان ليفضح نواياهم ويكشف حقيقتهم ويظهر مدى بشاعة وجودهم على هذه البسيطة التي لا يستحقون العيش على آديمها . لم يكن طوفان الأقصى حدثاً عارضاً ، لكنه فتح جديد لمسيرة نضالية لا تغادر الزمن حتى تحقق أهدافها وإن كانت خسائره فادحة فإن نتائجه عظيمة لم تكن في وارد احلامنا وسط كل هذا العطن السياسي الذي نعيش أيامه البائسة .
المئات فروا هرباً من أرض الميعاد ، وغيرهم على أهبة الإستعداد للرحيل بعد أن ذاقوا حدة غضب المقاومة الفلسطينية الباسلة وعلموا أنه لا أمن ولا أمان على هذه الأرض السليبة التي لن يتخلى شعبها عبر أجياله عن إستعادتها وإن طال المدى .
من يجادلوا لم يجربوا ظلم المستعمر ومذلة المحتل وهوان الغاصب وجبروته ، لم يذوقوا الوجع الذي لا تندمل جراحه .
لقد أيقظت صيحة الطوفان ضمير العالم ودفعته إلى التفكير جدياً في جدوى وجود دولة تسمى إسرائيل ولعمري هذا نصر عظيم يقض مضاجع المحتل ومن يسير في ركابه .