هلوسات برد وظلام

هلوسات برد وظلام

بقلم :: ليلى المغربي 

سحب نفس طويل من سيجارته وسط ظلام الغرفة الخارجية الملحقة بالبيت والتي لا يضيئها سوى كانون الفحم وقال بصوت مهزوم : هل تعرف يا عياد ـــ اليوم لم نرى الكهرباء أبداً ..

هز عياد رأسه بإمتعاض وحسرة قائلاً: ـــ حتى نحن من السادسة والنصف صباحاً حتى هذه اللحظة بدون كهرباء تجاوزنا الثلاثة عشر ساعة .. هل عرفت لماذا نستحق كل ما يحصل لنا ؟ لاننا متخاذلين .. نفتقد للتضامن مع القضايا الحقيقية التي تمسنا .

ـــ نحن في حرب يا عياد.. في حرب وما نفعله انجاز كبير جدا ..

ـــ وهذه الحرب اللعينة اكبر انجاز استطعنا ان نقدمه

ـــ علينا المقاومة لا حل اخر لنا أو نتلاشى وننتهي

ـــ نعم وبماذا نقاوم ؟

ـــ فلتفكر قليلا ترى ماذا يمكننا أن نفعل؟

ـــ لا أعرف ؟ لكنني البارحة حلمت حلماً غريباً اسمع .. ـــ نعم .

ــــ كنت متدثراً بالبطانيات بعد أن شعرت بالبرد يقسم ظهري وينخر عظامي .. الألم الذي شعرت به يتجمع حول أطراف عمودي الفقري والعجز عن فعل ما .. شعرت معه بأنني أغلي من الغضب .. سهوت مع الدفء وحلمت بأنني أسمع صوت امرأة تصرخ في الشارع .. فخرجت أستطلع الأمر .. كانت تقف وسط الزقاق وتحمل في يدها مكبر صوت ذاك القديم الذي يشتغل بالبطاريات وكانوا يستخدمونه في المدارس والمعسكرات ، يا رجل لا أعرف من أين أتت به ، المهم كانت تنادي على سكان المنطقة لنتوجه جميعا نحو مقر شركة الكهرباء ، بدأ الناس فعلا بالسير معها فتبعتهم ، كان هدير خطوات الناس أثناء المسير نحو مقر الشركة رغم أن بعضهم حفاة وأغلبهم يرتدون أحذية مطاطية لا يفترض أن تصدر صوتاُ حين تلامس الأرض .. هدير مرعب، لتلك الخطوات صوت منتظم ،رتيب وكأنها مشية عسكرية، يختلط صوت خطواتهم بأصوات أنفاسهم المتسارعة كلما تقدموا واقتربوا من هدفهم .. وتتزايد أعدادهم كلما اقتربنا ، نساء ، رجال ، شباب وشابات .. خرج الناس من جميع الأزقة والشوارع وكأن مغنطيس يجذبهم وصوت تلك المرأة عبر مكبر الصوت يعبر الأجواء ويلهب حماس الناس فتتسارع خطواتهم في مشهد مهيب . وفجأة بدأت الهتافات من هذه الجموع تعبر عن سخطها من الأوضاع ، اختفت ملامح التعاسة والشحوب من وجوههم وحل محلها غضب هائل .. عيون تقدح شرراً .. لا مجال للعودة .. تم القبض على جميع المسؤولين في وزارة وشركة الكهرباء .. من الوزير ووكيله ونائبه ومدير الشركة ورئيس مجلس الادارة ومدراء الادارات وحتى رؤوساء الاقسام .. لنضعهم في حجرة مظلمة باردة .. قالت تلك المرأة .. وبعد حبس كل المسؤولين ، وقف الجمع حائراً يتساءل عن الخطوة التالية ؟ صرخ أحدهم ، أين تلك المرأة التي خرجت بمكبر الصوت تنادينا .. دعوها تتقدم وتخبرنا .. ماذا سنفعل الآن ؟ بدأت همهمات الجموع بين مؤيد ومعارض ، إلى أن حسمتها تلك المرأة عبر مكبر الصوت قائلة :لتتقدم النساء فهن القادرات على انجاز ما عجز عنه الرجال حين تركنا لهم إدارة الأمور ، نحن النساء اعتدنا على تدبير شؤون الحياة وتنظيمها.. لهذا سنرتب مبدئياً توزيع الأحمال على الجميع بالتساوي ، لنتساوى في توزيع الظلم بعدالة ، إلى أن نجد حلاً جذرياً للمشكلة ، ولا تقلقوا سنعيدها لكم بعد أن نبنيها ..

تحمس عياد ـــ ياااااااااااااااااااااااريت، وماذا حصل بعدها ؟

ـــ لا شيء ، صحوت من النوم مفزوعاً .. ووجدت الكهرباء قد عادت .. ربما كان العاملين حاضرين الحلم معي .. وضحك مع سعال متحشرج من التدخين ..

تثائب عياد وهو يقترب من الكانون طلباً للمزيد من الدفء : ليتنا نمتلك شجاعة هذه المرأة .

ـــ وإن امتلكت هذه الشجاعة ونفذتها .. ترى كم شخص سيتجاوب معها ؟

ـــ قليل ثم سيكبر العدد المهم أن يكونوا شجعان ؟

ـــ نحن بلا مبادرة وشجاعة نموت بالعشرات يوميا وبلا قضية حتى

ـــ إذا الأجدر أن نموت لأجل قضية تستحق .

ـــ يا عياد على الستة مليون الخروج إذن ، من يخنقوقنا جبناء لكن الأجبن منهم نحن .

ـــ هل عرفت الأن لماذا قلت لك في بداية حديثنا أننا نستحق ما يحصل لنا ؟

ـــ لكننا على الاقل أنت وأنا والقلة لسنا ضمن القطيع

ـــ نعم .. لكننا عاجزين ومكبلين عن فعل أي شيء .. سوى بضع كلمات نكتبها .. لا تقدم ولا تؤخر

ـــ هل تعتقد أنها لا تقدم ولا تؤخر ؟!

ـــ لا أعرف .. أظن ذلك .. ربما تترك أثراً كما اتمنى .. ربما تستطيع كلماتنا أن تستقطب بعض الأشخاص خارج القطيع ..

عم السكون لحظات قطعها عياد بإشعال سيجارة .. تهيئ لي أنني أسمع صوت تلك المرأة ، قلت لعياد : هل تسمع صوتاً في الخارج ينادي .. ربما تلك المرأة حقيقية ولم أكن أحلم ؟

ـــ لا أسمع شيئاً ، لكن لو حدث حقاً الآن ووجدنا تلك المرأة تنادي .. هل ستخرج معها ؟

ـــ في هذا الطقس البارد .. أنت تمزح .

ـــ إذا دعنا نصلي أن تعود ، ولا تنقطع .. ولنترحم على مخترعها .

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :