سعد الاريل
في الواقع إن هناك الكثير من الضبابية تلفنا برداء التخلف الحضاري حول السبيل الممكن لنهضتنا التي تواجه الكثير من المصاعب التي ليس هناك سبيل ممكن لحلها بأيدينا في الظروف المتواجدة من حولنا .. نظرا لكثير من العوامل المصادفة التي تعيقنا عن التقدم. و الوصول إلى التنمية. نحن نعيش في عصر متسارع و يرنو إلى العالمية في التحرك من الصعب النفاذ إليه من خلال ما نملكه من أدوات متخلفة عن عصرنا الحاضر بسنين طويلة. اليوم إننا مجرد دولة لا تبتعد عن وصف إحدى الدوقيات التي عفا عليها التاريخ و لازال التخلف الحضارى يبعد عن واقعنا اليوم.
إننا لا نفترق كثيرا عن أي دولة نامية من حولنا و قد أصابها العجز عن إسعاد شعوبها. و طفقت شعوبها إلى هجرة لم تكن سابقة عن تاريخنا الحضاري للوصول إلى الشاطئ الحضارى. فليبيا مجرد دولة ( طبو سياسية ) مثلها مثل أكثر من 80%من الدول حول العالم التي تعاني الفاقة و التخلف. حتى الدول النفطية العربية بثروتها الهائلة ليست إلا دولا كاريكاتيرية ليست لديها صورة دولة متوازنة و قادرة على الدفاع عن ثرواتها ..
فنحن لا نملك أي إمكان اقتصادي أو سياسي لنكون دولة كافية ذاتها اقتصاديا و سياسيا. فمؤسساتنا الاقتصادية بعيدة عن تعريف مفهوم الاقتصاد فهي مجرد صورة واهية عن مفهوم الاقتصاد. فمؤسساتنا المالية مثل المصرف المركزي ووزارة المالية هي مجرد صور غير حقيقية بل مجرد محاكاة للدول الأكثر تقدما. مصرفنا المركزي مجرد خزنة للحكومة الليبية و لن يكتب لها الاستقلال المالي عن العملات الحاكمة حول العالم فهو يعمل كمجرد صراف للعملات الأجنبية. و حتى نقودنا مجرد ورق لا يحمل قيمة في ذاته كما تعمل النقود الحقيقية. فنحن لا نملك أي إمكان لصناعة دولة ذات استقلال كامل. لا يمكن لأي حكومة محلية أن تصنع أي سياسة مالية و اقتصادية لشعبها المحلي.
فهي في ظل الظروف الحالية لا تتوافر لديها الأدوات في أن تجعلها تخدم شعبها. إن سيطرة الدول الحاكمة لا يترك مجالا للدول القزمية أن تعيش و تنهض و أن تكون الصورة الشائعة اليوم هي الأكثر وضوحا أنها تعيش تحت سيطرتها. فهي تخوض معركة خاسرة بكل الأبعاد. فهي تظل عاجزة عن فعل أي شيء يخدم شعبها. إننا نرهص إلا في اللاجدوى. فالشعارات تظل كاذبة لاتحمل أي فحوى حقيقية في ذاتها إنها أحلام اليقظة. عندما يركن أحدنا إلى الفلسفة الاقتصادية ليحمل مصباحا في ضوء النهار ليكتشف حقيقة وضعنا يرى الحقيقة بوضوح كما دأب ( ديماغوس ) الفيلسوف اليوناني حمل مصباحه في وسط النهار ليقرر حقيقة أن مايحيط بنا يعجز رؤيته بوضوح.
الإعجاز الذي يصادفنا اليوم يتركز في هيكلين أساسين : هما الهيكل الاقتصادي و السياسي. اقتصادنا الكلي في أيدى غيرنا و سياستنا في ظل تحكمات خارجية تفوق عنا قدرة. نحن دولة تعيش على بحر من رمال. خبزنا نلتقطه من خارج حدودنا. وتحويلها إلى قدرة زراعية تحتاج إلى تقنية في تحويل مياه البحر إلى مياه جارية و ليس بالأمر الممكن آنيا .. سياسيا لا نملك القوة الممكنة لمواجهة تطورات السلاح المتسارعة في كل دقيقة للدفاع عن أنفسنا. إن القدرة الحاملة لأرضنا لا يمكن أن توازي نمو سكاننا. نحن لا يمكننا أن نسلم أنفسنا لقدر التخلف الذي مر بنا قرونا عديدة. و لازالت العملات الحاكمة ندور في فلكها و لا نستطيع الفكاك عنها. إنها المصير المحتوم لعبوديتنا.
لا يمكن لوزير المالية أن يستقل عن العملة الحاكمة و يظل مصرفنا المركزي في طبع أوراق يخيل لنا أنها نقود وماهى بنقود بل مجرد ورق يطبع عليه قادتنا التاريخيون و حتى في مجال التجارة ليس لدينا سلعة قادرة على مزاحمة التجارة العالمية الواسعة لنطرحها في السوق العالمى. سياسيا : في قضية الانعزال عن الاندماج ما حدث لأسبانيا الفرنكية و في العالم العربي الحديث ما حدث في ( العراق ) و ( سوريا ) و كثير من الدول التي تراجعت عن الاندماج الحضاري مع الدول الأكثر تطورا. إن العامل السياسي هو من عوامل النهضة و الاستقلال. و ننظر إلى (كوريا الجنوبية ) التي تحولت إلى مصنع للتقنية الأمريكية و إلى ( الصين ) و إلى الدول القزمية في الاتحاد السوفيتي الذي جعل من الدول في شرق آسيا تتمتع بنوع من النماء. فليس أمامنا سبيل للتنمية إلا الاندماج حتى و لو كان سياسيا مع الدول الأكثر تقدما.