عبد الرحمن امنيصير
في قاع الليل المظلم، حيث يسكُن الحزن وتتوالى الألام، يسكب المطر أنينه الحزين على عتبات الحياة المعاقة. وسط ذاك الصمت القاتل، تجتمع الأشباح الهائمة حول الجراح العميقة التي تمزق قلوبهم.
يفتح اليأس أبواب الروح، فتخرج ريح الأسى تتلوى في المحيط، تداعب وجوهنا المكسورة، تقاوم هذه الروح الهشة وتنبش جراحها المدفونة.
تبحر الذكريات كالعصافير الضائعة في أفقٍ مجهول، حيث يستحيل العودة لبداية الحكاية. هناك ينبض زمننا المفقود، فلا رجعة فيه، ولا وعودَ منتظرة. أحرق الشوق مخاطر الدروب وأشباح الماضي تطارد كل خطوة نحو المستقبل.
ترسم زخات المطر صورة المشاعر الثائِرة، فتغرق الأرض في بحار الحزن، وتتلوَّن لوحات الطبيعة بألوان الموت والانكسار. ترقص الأزهار في الموت، فساقية الحياة قد نفذت مِنْ أحشائها، فلا ماء إلا سفكًا، ولا أمل إلا انتحارًا.
تهمس الرياح بهمسات الأرواح المضحكة، تهمس بأن الأيام لا تعود، والدموع لا قيمة لها، والصبر قد توارى في غياهب العدم. في صمت تلك اللحظة المقتولة، يعلو صوت اليأس والتشاؤم، والحلم الذي تحطَّم واغتيل.
لا تلمهم فهم في مدينة المعاناة، أما نحن فقد أضعنا طريقنا نحو النور. لا تجزع، فقد اشتعل قلبك مما يرفعك عن تلك الأنهار المتلاطمة التي تجرفنا للظلام.
نطق الرماد بكلمات الأسى والوداع، والشموع تغسل أيامنا العتيقة البائسة. فهل سترقص مرة أُخرى، أم ستنطفئ بعد منتصف الليل؟
سأكتب على الأتربة بأنامل ملتوية، سأكتب للألم والحزن كي يسمعوا نواح الروح المحطمة، فقد تعثرت على رصيف الحياة ورُميت بين جدران اللؤلؤ والنار.
في صوت صدى تلك الكلمات، تلون نقاط الألم على حقيبتي الفارغة. أضع كفها على صدري وأحملُ في آخر الطريق الخراب الذي تركناه وراء ظهورنا.
حان وقت الرحيل، ولكن لمجرد لحظة أُخرى، سأترك بصمة رقيقة من الحزن على وجوههم، لعلها تلحق بروحي العائدة للأبد في مغادرة الألم والحزن.
وأنا أرحل، سيبقى الليل المظلم ينهشهم، وأنا أبحر في طريق الضباب، بهدف الهروب من هذا الحكاية الحزينة المحطمة.