وادي العيش … وطن بلا نهاية !

وادي العيش … وطن بلا نهاية !

بقلم :: محمد أبوعجيلة 

بعد التحية من ذلك الحي الواقع في منتصف المدينة الذي لا يبعد كثيرًا عن معبد ( زيوس ) ومنطقة (رأس التراب) في الضفة الأخرى ، حيث يسكن الصامتون بيوتهم , يراقبون السماء والطرقات , يفسرون حفيف الأشجار وخرير مياه الصرف الصحي ويرسمون مطبات في عقولهم حتى لا تأتي فكرة مسرعة تعبر مخيلتهم.
فبينما انا أحاول أن استجمع ما يدور حولي أستمع إلى أبن شارعنا المجهول يغني (شيله يا تيار) ،وهنا لا أوثق لكم اللحظة بقدر ما أصف لكم حالة شارع وادي العيش المنتقم من الآخر حتى في طريقة غنائهم ، فالوقت كان غروب إلا ربع .. هكذا أخبرتني سماء المدينة الساكنة شوارعها المدلهمة بمصابيحها العتيقة.
رغم أننا لا نرتدي ساعات و لا نعرف علاقة الظل بالشمس أو النور و لا حتى علاقة كوابل النحاس بعمود الكهرباء ، إلا أننا دائمًا نتسأل أين يمكن أن نجد الظل في الظلام؟
أننا وبلا خجل نفضل أن نمشي تحت المطر على أن نحتضن مظلة أمام الواقفين في (طوابير الغاز والكوشة والمصارف)
أننا نفعل أي شيء مقابل أن نغطي عين الشمس بالغربال وندفن الواقع قبل أن يزين الشفق سماء المدينة باللون الوردي والأخضر الترقوازي ، هكذا نحن نعيش في حالة الماضي المستمر ننظر إلى الخلف ونحشو سلالنا بما يحلو لنا ونطمس القذارة ونصعد بسلم الجهل والتعنت إلى حضارة الشعوب الأخرى ونصرخ بأعلى أصواتنا هُنا قورينا دون حاجة إلى مكبرات صوتية تُرسل صدى صوت الناس في هذه المدينة لتضرب بطون جبال عمبسة المحشوة بثمار الشماري وأزهار الزعتر.
إذا أيتها المدينة أعتذر , وأعتذر أيتها السماء يجب علينا أن لا نقطف البطوم والخروب وان لا نتأمل الغروب في وادي العيش فهذا الفعل جريمة يعاقب عليها المجتمع والشارع المهزوم ، فالشفق الأحمر وإن كان يُجسد لنا لحظات ما بعد الرحيل فهو تلك الخيوط الحمراء التي تعلن موعد الظلام.
علينا أن لا نمجد الجمال فلتحيا القذارة بكافة أشكالها حتى ننجو من شجر السل … حقًا انا أحسد أولئك الذين يجلسون أعلى المناقير برفقة السحب وهبوب نسمات البحر يتأملون الحجاب الحاجز بين الأبيض المتوسط والسماء ، هؤلاء يقيمون للشمس عرس الوداع , يغازلون النجوم ويكتبون أشعارهم بين مد وجز دون بركان يلتهمهم، إن هؤلاء يرسلون أصواتهم مع الرياح صارخين في وجه الحياة ولا يخبروا أهل المدينة بذلك.
بينما أبناء وادي العيش لا يصرخون ولا يعرفون كيف تصرف طبقات أصواتهم .. أنهم حقا جبناء في ترويض مشاعرهم ولا يعرفوا طعم الحياة وهم يحتضنون المدينة ، وأبناء الريف عرابي الغابات يشربون الشاي بطعم التفاح وعيدان الخروب وهم يراقبون الطرق اللا معبدة وامرأة حمالة الحطب وملك الأوركسترا الشعبي يعزف بمزماره للمعيز ويرسم متعة الحياة على التراب.
إننا بحاجة الى تلك المساحة التي لا تعرف الحدود هذه المساحة تجعلك تنظر أمامك وتبحر أو تنظر خلفك وترى وطن بلا نهاية!

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :