- عاشور صالح عبدالعزيز
في ظل الانسداد السياسي الليبي الذي لا تلوح في الأفق أي بوادر لانفراجة فيه قريباً، ولا بصيص ضوء في نهاية ذلك النفق المظلم الذي علقنا فيه بسبب تشبث الجميع بمقاعدهم ومكاسبهم ورفض فكرة العودة كمواطن بسيط مثل الملايين من هذا الشعب. من الطبيعي أن مصلحة جميع من في السلطة أن يبقى الوضع على ما هو عليه إلى ما شاء الله له أن يكون، مع ذلك نراهم لا يختلفون على الانتخابات البلدية بشرط أن تتماشى مع مصالحهم وخطهم السياسي لأنها لا تشكل خطرا على أي طرف من الأطراف المتنازعة في أعلى الهرم لأن البلديات ببساطة هي الحلقة الأضعف في مسلسل السلطة، تتجاذبها رياح المناكفات السياسية الشرقية والغربية لتبقى عاجزة متفرجة تتسول من هنا وهناك حفنة دراهم تحفظ بها ماء وجهها أمام المواطنين الذين يتوقعون منها أن تفعل ما لا تملك ولا تستطيع.
مثلاً، نحن في منطقة غات (الكبرى) مررنا بخمس تجارب في الحكم المحلي وانتخاب السلطات المحلية منذ العام 2011، بعضها منتخب وبعضها أتي بقرارات فوقية من سلطات أعلى وأقوى، قرارات ليس للمواطن فيها لا ناقة ولا جمل إلا التمني بإدارة قادرة على حل المشكلات اليومية وما يسمونه بالـ (المختنقات) التي يبدو أنها لا تنفك ولا تتوقف عن الاختناق.
جميع تلك التجارب فشلت في ربط جسر تواصل مع المواطنين وخلق ثقافة إدارة مشتركة للموارد البشرية والمالية والمادية في البلدية، حتى انتهى بها الأمر إلى كارثة التقسيم التي كانت تلبي حاجات أطراف سياسية وشعبية في أوانها ولكن ما لبث أن (زاح الثلج وبان المرج). أصبحت البلدية تعتمد اعتمادا كليا على الدولة، والناس معتمدون تماماً على البلدية.
على البلدية أن تفكر وتحلل المشاكل وتجد لها المشاكل—ولم ولن تفعل. بات الناس مجرد مستهلكين للكلام، بين مداح وذام. أصبح النقد السمة الغالبة بلا أي حلول أو مبادرات شعبية لحل مشاكل الناس وهمومهم. أصبحت البلديات في وادٍ والمجتمع المدني في وادٍ آخر، بالرغم من علم الجميع (نظرياً) ضرورة العمل المشترك بين الاثنين. في ظل هذه الأجواء أصبحت البلديات مديونة بمبالغ لا طاقة لها بها، وكل بلدية تنسلخ من مسؤوليتها لترميها على عاتق الإدارة التي ستأتي بعدها—وهلم جر، فبات المواطن المغلوب على أمره لا يدري أين يذهب إذ أن التعامل لا يتم أبداً مع مؤسسات، بل مع أشخاص.
لا نزال على بعد سنوات ضوئية من العمل بعقلية المؤسساتية، والتنصل من عقلية شخصنة المؤسسات والنظام بصفة عامة. لا نكاد نذكر اسم البلدية في أي محفل، بل لا تسمع إلا اسم العميد المتنفذ المسيطر على كل أركان البلدية، وقلة قليلة الخائفون أو الساكتون من المحيطين به إما خوفاً على مناصبهم وإما رضاً بما يتم إسكاتهم به، من غير المغضوب عليهم.
بعد كل ذلك من الطبيعي أن تكون النتيجة صفرية، وفي كثير من الأحيان الفشل التام على المستوى الخدماتي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والإنساني وحتى الإغاثي. أرجو أن نستفيد من دروس الماضي ونختار على أسس حقيقية وليس على أساس العائلة والقبيلة والقرابة والمصلحة الشخصية الضيقة. في التجربة الانتخابية الأولى فقط شارك في الانتخابات مائة شخص فقط، والكل رأى بأم عينيه النتائج الكارثية للتقاعس عن المشاركة الفعالة في الانتخابات. فأرجو وأدعو الله ألا تتكرر نفس التجربة ونسير بالركب للأمام. فهذه البلاد تستحق الأفضل دائماً. نسأل الله أن يسخر لها من يقوم بخدمتها ويقوم بها وعلى أهلها.