بقلم :: سالم البرغوثي
كان يمكن لغسان سلامة أن ينتظر أسبوعين إضافيين قبل أن يطرح مبادرته ذات النفس الطويلة لحل الأزمة الليبية لينتظر نتائج زيارة المشير لبعض العواصم أو على أقل تقدير انتظار ما تسفر عنه المواجهات العسكرية في صبراته من تغيير قد يكون مفاجيء على مسرح الأحداث.
مبادرة سلامة وإن كانت قد وجدت دعما إقليميا ودوليا فإنها لم تجد دعما كبيرا في الداخل الليبي كون الداخل لم يعد يحتمل المزيد من إهدار الوقت في أزمة تجاوزت الست سنوات خصوصا وأن هناك أصواتا كثيرة وقوية في شرق البلاد تدعو وتطالب بتفويض المشير حفتر بحكم البلاد عسكريا لمرحلة انتقالية قادمة وهو أمر لن يؤسس إلى مسار ديمقراطي بل إلى انفصال الاقليم الذي أسس نواة الجيش .
من الطبيعي أن نشكك في نوايا المجتمع الدولي وما إذا كان فعلا يريد حلا للأزمة الليبية أم أنه يرغب في إطالة أمد الأزمة إلى أن تصل إلى ما وصلت إليه في العراق وسوريا واليمن والتي تهدد وحدة تلك البلدان.
فالقوات اﻻمريكية في العراق تساند الجيش العراقي في الموصل ﻻجتثات داعش لكنها في ذات الوقت تدعم انفصال إقليم كردستان عن الدولة الأم كما أن الدعم اﻻمريكي لقوات سوريا الديمقراطية المكون الحقيقي لأكراد سوريا يصب في ذات الهدف.
كان على سلامة أن يدرك حقيقة جوهرية في الصراع الليبي وهو عامل الزمن .فالليبيون الذين طحنتهم الأوضاع اﻻقتصادية والأمنية ﻻيمكنهم إنتظار سنه أخرى دون ضمانات حقيقية لوضع حد لمأساتهم وهم يرون بلدهم يضيع ويتشتت ويتمزق بين أجندات أقليمية وأطماع دولية .
كان على غسان سلامة أن يضغط لتعديل اﻻتفاق السياسي واﻻستفتاء على الدستور في مسارين متوازنين دون إبطاء وأن ﻻ يكرر أخطاء سابقيه من المبعوثين وإﻻ ما الفائدة التي جنتها الأمم المتحدة من استبدال كوبلر .لن تفضي اجتماعات تونس إلى نتائج تنعكس إيجابيا على الداخل لكن فشلها ستكون له آثار جوهرية ربما ستؤدي إلى الإطاحة بقشة اﻻتفاق السياسي وتعيدنا للمربع الأول .
ﻻ أعتقد أن سلامه فهم كل خيوط اللعبة في وقت قياسي وﻻأعتقد أنه استوعب هواجس كل الأطراف السياسية لكي ﻻتجهض مبادرته .
لقد استخدم سلامة عنصر المفاجأة للتضييق على الخصوم السياسيين وجلبهم للعاصمة التونسية على وجه السرعة لكنه ترك فراغا زمنيا كبيرا للاستفتاء على الدستور وهو في نظري الثغرة التي ما كان يجب أن تتجاوز الثلاث أشهر ﻻستكمال عنصر المفاجأة لو كان متأكدا من نجاح مبادرته خصوصا فيما يتعلق بتعديل بنود اﻻتفاق.
سلامة يريد النجاح في مهمته لكنه لن يخسر شيئا لو فشل أسوة بسابقيه غير أن انعكاس فشله سيكون وخيما على بلد انتظر طويلا وتألم كثيرا.