ياناس حبّوا الناس!

ياناس حبّوا الناس!

” تنّوَه 

مايشبه ترسب التجارب والمعرفة 

سعاد سالم

soadsalem.aut@gmail.com

في مقالة سابقة لي عن الحِسد، بمعناه في اللغوة ،وذلك الذي تمثل في القول: ماري يا إماري ولا تكون احسود، وكيف أن الحكمة الليبية ترى في الحِسد لمن ملك شيئا لا نملكه، ليس إلا رغبة مجبولة عليها نفوس الناس، وبالتالي تنصح بالعمل على إمتلاك مالدى الآخرين، أي أن الحِسد بمعناه الليبي يجد حلا له ،بالعمل على النفس للحصول على مالدى الآخرين، مما لا يجعل من هذه المشاعر ، شيء سلبي يثقل الضمير، ولكن الحسد الذي أكتب عنه اليوم، بفتح الحاء، أي الحَسد الذي يسخر منه البعض، لأنه شاع تداوله بين الليبيين، الحَسد، بمفهومه الديني،أي الذي نقرأ عليه سورة الفلق، لنعبر عنه، ولكن أيضا ، هذا الحَسد إلى حد ما يشوبه التشويش في المعنى الذي يحمل عليه الناس، ففي التصور الشائع أن الحَسد إنما هو على النعم بمفهومها الشائع ،أي الجمال ، المال، البنون، الوجاهة، السلطة، الثروة، وهكذا، أي أن من يُحسدون هم من لديهم مواصفات الحظ الوفير في أيٍ مما يُعتقد أنه نعمة محسودة، غير أنني أرى غير ما يرى هذا المفهوم الخاطئ، من أن النعم في شكلها الظاهري أيا كان هي السبب في الحَسد الذي نتعوذ من شره، إذ أرى أن أصحاب النِعم وحسب الحِسد المعني في المثل الليبي ،هو شيء طبيعي في البشر، فمن لا يريد النِعم، أو ما يراها المجتمع نِعم ، لهذا أي شخص يتكلم عن الحَسد من خارج التصنيف المادي للنعِم، إنما يتعرض للسخرية بالتعبير السائد: علي شن بيحسدوك؟، أحيانا يقولها الشخص على نفسه، إذا ما أشار إليه أحدهم بأنه محسود: علاش بيحسدوني، شن عندي بيحسدوني عليه.

الكثير

المشكلة الحقيقية تكمن في الحَسد، بفتح الحاء، أنه ليس طبيعيا، إنه مستوى آخر من الشر، إنه إلى حد كبير لا يراه الناس ليقرأوا عليه سورة الفلق، إنه مخفي وغير محسوس، لهذا يلدغ مثل العقرب، تحت حس مس، ولأن المحسود هنا ، لا يتخيل في حاله التي لا يراها يُحسد عليها، وبالتأكيد لا أحدٍ يرى الشخص الذي لا يملك ما صَنف بالنِعم محسودا، ولهذا في رأيي يتضرر الناس، كما لو كانوا مرضى، وفشل الأطباء في تشخيص أمراضهم، هل تفهمونني؟

في الحقيقة، الحَسد الحقيقي، والمضر ، والمقصود به زوال النعمة، هو تجاه من لديه النِعم التي لا تخضع للتصنيف الظاهري، لا أعني بذلك الأشياء بل الأشخاص، الحَسد الشرير هو الموجه تجاه الشخص وليس تجاه النِعم بتقييمها المادي وغير المادي، أي أن الحَسد الذي يجعل شخص ما يستخصر فيك أي شيء، أي شيء حرفيا، هذا ما يمكن وصفه بأنه لدغة العقرب غير المحسوسة، إنه سم لا يشخصه أحد ،لأن الأنظار تتجه لما عند الشخص، مش للشخص.

الحَسد السائد

سيارة بسيطة ، يراها الحاسد أفخم سيارة، لأنك صغير في نظره، لأنه يكرهك، إنه صديق، إنه طيب، على الأغلب نعم، لكنه يكرهك، بيت صغير لا ميزة فيه لكنه يراه البعض هلبا فيك، أن تستقر، أن ترتاح فيه، الكراهية تصنع هذا الحَسد، ليس بالضرورة أن يكرهك شخص محدد، لأنه يعرفك، إنه نوع من المشاعر المنتشرة والتي تطال كل شيء لدى الناس، ويراه هلبّا فيهم، لسبب في نفسه، لمشاعر كراهية شديدة تجاه الآخرين، تبتسم ، لابد أن يتوقف الابتسام، تفرح لابد أن نقضي على فرحك، تعيش الحياة لابد أن ندمّر حياتك ونجعلك تعاني، تسافر لابد أ لا يمكنك السفر ، تعرف لابد أن نقفل طرق المعرفة، الحَسد هو أن لا يسلم الشخص تحديدا، الشخص إمرأة كانت أو رجل، ومن كل الفئات العمرية، لا يسلم منه أحد، الشخص بذاته هو المشكلة، ربما لهذا وكما ترون غالبا لايتضرر أصحاب النِعم حسب التصنيف الاجتماعي، بل الناس العاديين، يتساقطون وحياتهم تدمر ، دون أن يستاهلوا حسب المفهوم العام تصنيفهم بالمحسودين، لهذا لا يتعالجون، ودائما لا يَشفون.

لماذا طاقة الحَسد قوية؟

هناك أمران يستوليان على فئتين من الناس، الأمر الأول هو الخوف، اسوأ وأقوى طاقة يمكنها أن تستحوذ على حياة الناس وتجعلهم رافضين التغيير ،و هو الأمر الشائع في المجتمع، والأمر التاني الكراهية التي تستولي على جزء هام من الناس تجاه بعضهم، الأمر الذي يضاعف من العذابات ويسمم حياة الجميع.

الحَسد، هو الذي يوجه لشخص ما ، ليس يهم مالديه ، فكل مالديه حتى محبة الناس، خسارة فيه، الصحة خسارة فيه، العمل، أي كان خسارة فيه، حارس، عامل براتب هزيل، خسارة فيه، ياكل في مكرونة بلالحم، هلبا فيه، وهكذا، ولابد أن عدد كبير منكم، عرف هذا النوع من المشاعر التي غمرته، وكذلك من غمرتهم الكراهية في أفعال بعض ممن يحضنوننا ويضحكون في وجوهنا،وديما يشكروا فينا للناس، لكن لماذا طاقة هذه المشاعر مدمرة، وتصعّب حياة أغلب الناس الكادحة، المستقيمة، الأخلاقيين، الراضين، لماذا؟ لأن قوة المشاعر المصاحبة للكراهية، لايمكن تخيل مدى قوتها، إنها ملّحة، صادقة في كرهها، للدرجة التي يتحقق فيها زوال مايعتبره فيمن يكرهه، نِعم.

ثم نأتي للنوع الآخر من الحَسد، فليس كل من لديه حِسد يمكنه العمل على نفسه للحصول على مالدى الآخرين، وهو على الأرجح المقصود في المثل المذكور أعلاه بفعل المماراة، أي أن نفعل ما يفعلون لنحصل على مالديهم من نِعم، هى أقرب لأن تكون أشياء غير مادية، أو النِعم المقصودة في شكلها الظاهري، بل تلك النِعم التي تراها تربية، وقيم، تتصور أن على الجميع التحلي بها دون أدنى شك أو منّة، ولكن لدى من يقصدهم المثل الليبي ، هى نِعم،لا يرغبون في كسبها بالعمل على أنفسهم، بل يريدونها أن تزول منك، فالحاسد هنا ، هو من يعمد بلا هوادة على إفساد قيمك، وأخلاقك، بإدخالك في حياة يشوش فيها المفاهيم ويغيرها، ويعيد صياغة الكلمات لتحمل ما لا يتطابق مع لغوتك، إنه يشوش ثقافتك، المبنية على التعايش السلمي، والاحترام والقدر، ليحولك إلى شخص ، تكره الآخرين، وتتمنى لهم الشرور علنا، دون أن يستوقفك الأمر ولو للحظة، فيما الكراهية التي تحولك إلى حاسد، ستأكلك رويدا، مع من تكرههم، دون أن تعي أن الشخص الذي علمك الكراهية، إنما يحسدك على طيبة قلبك وعلى المحبة التي تغمرك تجاه الجميع، تبادل الكراهية، هو أكبر طاقة حَسد ، حيث يجب أن نقرأ بحرارة ، ومن شر ماخلق، لأنه تنتهي كما في السورة بالحاسد، لأنه أشدهم فتكا. فالكراهية التي يكنها الحاسد لذاته أولا ،ولشخصك، قوة تدميرية، نراها في حال البلاد يوميا. وفي كل الأنظمة الشمولية،وفي كل طاغية ومستبد ودكتاتور، فقط افتحوا عيونكم، وحبّوا أنفسكم، لتحبّوا الناس.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :