ملف تعويضات متضرري حرب التحرير في مهب الريح!!
تقرير : زهرة موسى
يواجه متضررو حرب التحرير أوضاعاً معيشية واجتماعية سيئة للغاية منذ 11 عاماً، دون أن يلتفت إلى معاناتهم أصحاب القرار، سوى إعطائهم حقنا تخديرية.
وما يزيد من حجم الألم فقدان المتضررين منازلهم ومنشآتهم، واضطرارهم إلى الاستدانة فانقلبت حياتهم رأسا على عقب.
فالمتضرر عبد السلام النالوتي كان يعمل تاجرا لقطع غيار السيارات ،و مالكا لورشته و مخزنه الخاص ، أبناؤه كانوا يدرسون بمدارس خاصة ، ولكن في يوم وليلة انقلبت حياتهم رأسا على عقب.
يقول النالوتي :”أنهيت عملي بالمخزن في ساعات متأخرة و هممت للخلود للنوم أنا و أخي و جيراني أبناء ساسي دخيل و لأن الأوضاع الأمنية بالبلاد آنذاك لم تكن على ما يرام كنت أبيت في ( التريلة ) وهي كانت بمثابة مكتبي و أضع بها جميع أوراقي المهمة ، و في تلك الفترة كنت أنام هناك حراسة للمخزن “.
وأضاف ” وفي فجر 28 من مارس العام 2011 ، اهتزت المدينة جراء القصف الجوي الذي أحدثه الناتو، وتمكنت بفضل الله من الفرار من المكان، وبعد الحادثة بنحو الشهر عدت إلى المكان وجدته خراباً، السيارات متفحمة ، وقطع الغيار أتلفت، عشت فترة طويلة من الكآبة و أنا أفكر كيف سأطعم أسرتي المكونة من 8 أشخاص ، وكيف سأسدد دين التجار عن بضاعة اشتريتها بمبالغ كبيرة، كنا نتدبر أمورنا ببيع المدخرات و الأثاث المنزلي ، وبيع المجوهرات، و أصبحت من رب عمل إلى عامل يتقاضى ثمنا زهيدا نهاية كل يوم”.
وأضاف ” سمعنا من وسائل الإعلام عن وجود لجنة لحصر المتضررين من الحرب ، و أخبرني أحد الأصدقاء بأن اللجنة بدأت بحصر الأضرار بأحياء الحجارة و الناصرية ، و هذه اللجنة كانت تابعة للمجلس البلدي آنذاك ، و بالفعل اللجنة قامت بعملها بدون الرجوع إلينا كمتضررين ، و لكن على الرغم من ذلك لم يتم صرف أي تعويضات ، وفي عهد علي زيدان صدرت عدة قرارات بتعويض المتضررين ولكن لم نرها تنفذ على أرض الواقع .
وتابع:” عندما صدر كشف متضرري حرب التحرير اجتمعنا مع بعضنا و ذهبنا إلى مدينة طرابلس إلى شخص مسؤول عن ملف التعويضات آنذاك وهو ناصر رفيدة وبالمحاولات تواصلنا مع رئيس الوزراء السابق فائز السراج ، و وعدنا بصرف التعويضات الخاصة بالمباني ، وذلك لأن قيمة التعويضات لا تتجاوز 2 مليون دينار ليبي في حينها ، ولكن لم يتم تنفيذ أي من تلك الوعود “.
وقدر النالوتي قيمة الأدوات و السيارات و قطع الغيار الموجودة بالمخزن بكل ما فيه مليونا و نصف المليون ، ولكن لجان الحصر قدّرته بما يصل إلى 500 ألف دينار ، وصدر قرار وزاري في العام 2013 رقم (372) بحصر المنازل و المنقولات المتضررة أثناء الحرب ، ولكن حتى الآن بعد مرور 11 عاما لم نتقاضَ حقوقنا و لازلنا نعاني اليوم من الخسائر و ندفع ثمنها .
وقال :” كلما ذهبنا إلى مسؤول يتذرع بوجود من يدعي تعرضه للأضرار وأن إجمالي مبالغ المتضررين مرتفعة جداً، نؤكد على أن متضرري حرب التحرير 58 شخصا ، وأن خسائرهم موثقة”.
وتحدث إلى تعرضه للخطف والسجن دون معرفة الذنب الذي اقترفه ، واضطرار ابنه لترك الدراسة من أجل العمل لمساعدة الأسرة وحدوث مشاكل مع زوجته التي استصعبت الحياة الضنكة.
كما أن لــ المتضرر ” عبدالله مصباح محمد عبدالله ” من سكان منطقة الجديد معاناة أيضاً، حيث يتحدث بحسرة ويقول:” في 15 مارس 2012 سقطت قذائف على شقتي في الطابق الثاني، فأضرمت فيها النيران، ولم نستطع إنقاذ شيء من الأوراق الإثباتية و الرسمية و أيضا مجوهرات زوجتي احترقت”.
وأضاف” عناية الله حالت دون تعرض أسرتي لمكروه، فقد ألهمني الله بإخراج عائلتي لزيارة جدهم قبل وقوع الحادثة”.
وتابع:” بعد قصف شقتي، اضطّرت أسرتي للعيش في منزل والدي لعدة أشهر حتى انتقلت إلى الإيجار، ونظراً للإرهاق الذي كانت تتعرض له الأسرة بسبب الإيجار اضطررت بعد معاناة شديدة لتجميع مبلغ لبناء منزل متواضع غير مكتمل البناء”.
لم يترك عبدالله باباً إلا وطرقه للمطالبة بحقه في التعويض، حيث توجه إلى مجلس التعويضات ، جهاز المراكز الإدارية و التطوير ، الإسكان و المرافق ،وكانوا يخبرونه أن إجراءاته مستوفية وأن التعطيل لعدم توفر الميزانية، ليتبين لاحقاً أن من أخر صرف التعويضات تحميل جميع المتضررين إلى قائمة متضرري حرب التحرير.
يقول:” نطالب بتسليمنا تعويضاتنا ، فاليوم مرت أكثر من 10 سنوات و لم يمنحونا حقوقنا بينما في طرابلس تم منح البعض تعويضاتهم ، فحتى قيمنا كانت مرصودة فلماذا لم يعطونا تعويضاتنا؟ و أين اختفت تلك القيمة؟
وأضاف:” المسؤولون لا يعلمون حقيقة ما يحدث بالجنوب، المواطن السبهاوي يعاني جداً، نتمنى أن يتم إعادة النظر في القيم المرصودة للتعويض، في ظل الغلاء الفاحش مقارنة بالوقت الذي رصد فيه التعويض للمتضررين”.
كما يتحدث المتضرر ناصر مهدي السويسي الأب لسبعة أفراد عن أضراره بالقول ” كنت أسكن بشقة بحي القرضة ، وفي العام 2011 ، كنت عائدا من العمل، وكانت شقتنا في الطابق الخامس، اقترحت على زوجتي أن نذهب لزيارة بيت أهلي ، و ذلك لأن المنازل الأرضية أكثر أمانا من المباني المرتفعة ، و اقترحت زوجتي أن أوصل الأبناء إلى هناك أولا حتى تستطيع هي أثناء ذلك تجهيز أغراضنا و ملابسنا ، و بالفعل أوصلت أبنائي و عدت بسرعة للمنزل .
وأضاف ” كنا في الشقة أنا و زوجتي فقط ، و بعد أن أخذت زوجتي ما تحتاج من ملابس و احتياجات من غرفة النوم أغلقناها بالمفتاح و توجهنا إلى منتصف المنزل، و إذ بشيء قوي يهوي علينا ، ومن قوة السقوط زوجتي فقدت الوعي ، و بالرغم من الجروح و الصدمة إلا أنني استطعت أن أسحبها إلى قرب السلالم ، ووصل الجيران للمساعدة ، و لكن النيران قد أضرمت بالمنزل ، حاولوا إنقاذ بعض الأشياء كالمفروشات و غيرها”.
وتابع ” انتقلت للعيش مع والدي لفترة ، و لكن لم نرتح هناك فقررنا أن نبحث عن منزل خاص بنا ، و في أثناء ذلك وصلت لجنة لحصر الأضرار ، و زاروا المنزل و تم رصد كل الأضرار ،بعد أن مرت أعوام و أعوام لم يتم منحنا أية حقوق ، ابتعدت عن الأمر و لم أعد أبحث عن أية مستجدات
بالخصوص إلى أن جاء الأستاذ عبد السلام النالوتي الذي أعاد تشجيعنا لمتابعة المطالبة بحقوقنا من جديد ،ذقنا الويلات حتى نستطيع أن نبني منازل من جديد ، فأنا عملت كسائق لسيارة أجرة وميكانيكيي بالإضافة لعملي الأساسي كشرطي ، و كل ذلك لتأمين حياة كريمة لأبنائنا .
واسترسل حديثه:” ظهر الكثير من المستغلين لهذه القضية و تعرضت للمساومة لاستكمال إجراءاتي و لكني رفضت الأمر، و استمررت في البحث عن جهة تتبنى قضيتي و ترجع لي حقوقي ، مبينا أن لجنة الحصر قدرت قيمة التعويض في منزله بحوالي 60 ألف دينار ليبي ، وذلك دون حساب ما احترق من أثاث و مجوهرات و غيرها .
من جهته يقول العميد المكلف لبلدية سبها بلحاج علي بلحاج ” استقبلنا المتضررين من الحروب و عقدنا اجتماعا معهم و ذلك في محاولة منا لفهم الصعوبات و التحديات التي تواجههم و العمل على حلحلتها ،واجهتنا مشكلة ارتفاع أعداد المتضررين مما جعل الأمر يختلط علينا و لم نعد قادرين على التفرقة بين المتضررين الحقيقيين و المزيفين ، خاصة أنه يتردد علينا كل فترة مجموعة منهم و جميعهم إجراءاتهم مستكملة ، فلهذا البث في حلحلة هذا الأمر يحتاج وقتا و تحديد معايير دقيقة للتفرقة بين المتضررين الحقيقيين والمزيفين .
وقال :”نحن نعمل جاهدين على هذا الملف و على أتم الاستعداد لتقديم ما يمكننا تقديمه في سبيل حلحلة كل الصعوبات لحصولهم على تعويضاتهم.