عمر الطاهر
مفهوم آخر لمعنى الصلاة. إذا سألت أحدا عن معنى الصلاة يجيبك عادة بإحدى الإجابات المعهودة المعتادة من مثل :
1- هي صلة العبد بربه .
2 – الصلاة عماد الدين ، من أقامها أقام الدين و من هدمها هدم الدين . فهل يفهم أولادنا هذه الإجابات فهما دقيقا و عميقا ؟ لماذا لم نبحث عن مفاهيم أخرى أقرب للفهم من واقعنا اليومي؟ عن تجربة لفهم ما هية الصلاة ، و بالصدفة المحضة ، و دون سابق تفكير أو إعداد لفكرة أو ابتكار تفسير . في جلسة نقاش جمعتني مع صديق ذات شهر رمضان من سنوات مضت ، حيث لاحظت أنه يصوم و لا يصلي ، فبادرت إلى سؤاله بكل جرأة عن سبب امتناعه عن أداء الصلوات و خاصة في شهر رمضان ، فلم يجب . و سألته عن مفهومه للصلاة . فلم يجب لأنه لا يملك الإجابة . عندها تطوعت بالإجابة فقلت له ، لأنك لا تعلم ما معنى الصلاة و ما هي الصلاة . و أجرى الله على لساني في تلك اللحظة هذه الكلمات بفضله سبحانه و تعالى .
و خاطبت صديقي قائلا : إن رحلة الإنسان في هذه الحياة كمثل حياة عابر سبيل يمر و هو يمضي في طريقه عبر غابة كثيفة لم يدخل إلى أدغالها أو أحراشها من قبل و لا بد له من عبورها للوصول إلى إحدى الجهتين فإما إلى جنة خضراء فيها كل ما تشتهي الأنفس ذات أنهار و ثمار و ظلال ، و إما إلى أرض البراكين و الحمم وسوء المآل. و رحمة بهذا الإنسان الجاهل الضعيف الظلوم لنفسه ، أُلقِيّ إليه رحمة به من منشئ هذه الغابة بأسرار و علم السير في الغابة و كل ما حوت مما قل منه أو كثر .
و مما علمنا منه أم لم نعلم . و زود منشئ الغابة العليم الرحيم الحكيم إنسانه بكتاب فيه كل ما في الغابة من خير و بشر و شجر و حجر ، و كل سبيل و مسلك و ممر ، و كل جميل و قبيح و كل لذيذ و مرير ، و كل ما في الدنيا من خير و شر . و زوده بوسيلة اتصال لا يمكن أن يصنعها إنس و لا جان ، هي هاتف لا تغيب عنه التغطية ، مشحون أبدا لا تنضب بطاريته و لا يقل رصيده دقيقة واحدة . و قسم له مسيرته في الغابة بأن يسير فيها 50 كم في اليوم , و رحمة به قسمها له على خمس مرات ، يسير فيها مسافة 10 كيلو مترات كلما استعد للسير و اغتسل و له فترات يستريح فيها للأكل و الشرب وقضاء ضروريات الحياة. فأرسل له رسولا من بعد أن أرسل لآبائه رسلا يعلمونه القراءة و يشرح له كل ما في الكتاب وكل شيء عن نفسه و خلقه و خلق الغابة و عما كان في أمسه و يومه و غده . و عما قبل خلقه و خلق الغابة و ما في الغابة و ما سيؤول إليه و ما سيصل إليه بعد الغابة . و عن أصحاب الخير و أصحاب السوء . و ما هو الخير و ما هو الشر . و أي طريق هو الأفضل و ماذا يوجد في الطرق الأخرى من هلاك و ضلال و كم من عبر . عن كل شيء في هذه الدنيا منذ خلقها و ما بعد خلقها و من خلقها و لماذا و متى و إلى أي مدى و إلى أين المستقر .
و أخبره أن يقرأ و ماذا يقرأ و متى يقرأ و كيف يقرأ و يتدبر. و أن الاتصال يكون ملزما و إجباريا قبل بدء رحلته اليومية كل مسافة ال 10 كم المقبلة من ال 50 كم المقررة في اليوم أو المتبقي منها خلال نهاره . يجري المسلم اتصاله ليتلقى وصف الطريق قبل البدء في التحرك لكل مرحلة من مراحل اليوم الخمسة . و أن هناك اتصالات اختيارية ( النوافل ) للاستزادة من التفاصيل و طلب الدعم والمساندة . و يجب ذكر أن هذا الهاتف متطور جدا جدا ، حتى أن أزراره و هيئته غير مرئية و أن تشغيله ليس باللمس و إنما بالأوامر الصوتية . و أن زر التشغيل هو قول ( الله أكبر ) . و من ثم بدء الاتصال و طلب الدعم من العلي القدير ( بسم الله الرحمن الرحيم ) و الحمد على تأمين الاتصال ( الحمد لله رب العالمين ) و صفة المطلوب( الرحمن الرحيم ) و من هو المطلوب ( ملك يوم الدين ) و أننا نتصل بك ( إياك نعبد ) و نطلب عونك ( إياك نستعين ) و ما هو المطلوب ( اهدنا الصراط المستقيم ) طريق المرضي عنهم ( الذين أنعمت عليهم ) ، و ليس طريق الخاطئين ( المغضوب عليهم ) و لا طريق التائهين ( الضالين ) . هذا طلب المتصل ( المصلي ) في بداية الاتصال في كل مرة من المرات الخمس في اليوم أو الاتصالات الإضافية و المفيدة كلما كانت في السر و الخفاء و جوف الليل، و من ثم يقرأ ما يحفظ من كتاب الإرشادات العظيمة ، كتاب الحياة الدنيا و الآخرة ( القرآن الكريم ) ، ما يعينه على وصف الطريق من مثل : (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا * وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا ۚ حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) [سورة الفرقان 67 – 77] و هكذ و هكذا دواليك في كل بداية رحلة من المراحل الخمسة في اليوم ، رحلة ال 50 كم المفترض و الواجب سيرها في اليوم . و من رحمته أنه جعل المسيرة الواجبة تبدأ بداية النهار عند الفجر إلى غسق الليل و بعده بقليل . و أما في الليل غير واجبة ، فكما قال سبحانه و تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) [سورة النبأ 10 – 11] و له أن يؤديها طوعا لا كرها حسب رغبته و لها أجرها على ما أدى منها و كيف أداه . و ليس هذا فحسب ، بل جعل له من فضله من يفسرون له و يشرحون ما استعصى عليه من الفهم و هم أدلاء يسيرون في جماعات معا إنهم الأئمة في المساجد و أولي العلم من أصحاب العلوم الدينية في الفقه والشريعة ،ويجتمعون إجباريا مرة في الأسبوع في مقرات خاصة ( المساجد ) ليستمعوا لما واجه عامة المسلمين من صعاب طيلة أيام الأسبوع و يستقون من أخبار السلف ما تشابه من أمرهم في يومهم و يتعلمون كيف يجدون حلولا للإشكالات التي واجهتهم أو ستواجههم مستقبلا بشكل فردي أو جماعي. والله أعلم.