سعاد سالم
تَنّوَه
مايشبه ترسب التجارب والمعرفة
مِيلاد و سُكّر
قصص صغيرة مختلفة
أمام جدار من المُرش نجلس متفرقين على الكراسي فيما نراقب حركة الطائرات الصاعدة والهابطة في مطار سخيبول بأمستردام ، واصوات المدردشين تصعد بدورها وتهبط ، أحاديث تدور حول طريق الهروب ،عن جوازات السفر المزورة ،وعن ديونهم للمهربين ،وعن خدعة الترانزيت ، وعن مدنهم المدمرة ، ورفاقهم المفقودين ، كنا من بلدان مختلفة ،ننتظر دورنا في سرد قصصنا على من سيقرر حق كل واحد فينا للحماية أو للترحيل ، كما كنا من ديانات مختلفة وحتى مذاهب مختلفة ، وكنت فرغت من ساعات من البكاء المتفجّع كما لو كان بوي مات مرة أخرى ، واكتفيت بمشاهدة احتفاء حكايات تلك الجنسيات والديانات والمذاهب بالنجاة ،في لحظة ألفة جديرة بالتأمل ،ثم ساتأمل أكثر كيف تتبدد تلك الألفة حينما نخرج من تلك الفترينا لننضم إلى السابلة.
المنّ والسلوى والشُكّلاطة
كنّا ذات الجنسيات والديانات والمذاهب المختلفة نفسها تركنا الطائرات تصعد وتهبط وهبطنا إلى الحديقة حيث يمكننا التمشي أو الجلوس تحت شجيرات هناك ، ثم انضم إلينا زائر لم يعلن عنه أحد ، رجل في ملابس عادية قال أنه قِس ،لم يسأل عن ديانتنا ولاتكلم عن الله منحنا الشكلاطة وأذنا تصغي لجراحات بعضنا ،ومنح للجميع تعاطفه وكلمات الطمأنينة التي كان بعضنا يحتاجها ، فثمة خوف يتسرب من فجّ لن يراه غيرك ،هكذا فكرت وأنا اتابع الأحاديث الخافتة والقلق الذي كأنه ريح المتنبي تحتنا جميعا ، وفي يوم آخر جاء رجل آخر قال أنه الإمام (مايطلق على الشيخ في هولندا) ودعى تلك الجنسيات المختلفة والمذاهب المختلفة والديانة الواحدة ليتحدث إلينا وسألته سيدة كانت تجلس بحداي :ماجبتلناش شُكّلاطة ياشيخ ؟ فضحك الإمام ولم يعلق ،وسرعان مابدأت الأسئلة التي سمعناها آلاف المرات في البرامج الدينية ،تطرح على الإمام ، ثم سألته بدوري : ألا تحتاج الجنسيات من الديانات الأخرى اهتمامك ياشيخ؟ هل سألته فعلا؟ لأن الإمام روّح وماجاوبنيش.
عيد السُكّر
دخلت الجامع في مدينة أوترخت ، ياللعمارة البديعة ، نزعنا أنا ولطّفية أحذيتنا بعدما صعدنا الدروج للدور التاني المخصص للنساء ،وكان مالن انساه ، شعور أخذني في غُمره في الشرقة المطلة على صحن الجامع المغطى بسجاد أزرق فاتح ،والنور المتدفق خلال مرش معشق البناء القرميدي الذي جعلني للحظات أظن أنني في كتاب تاريخ عن الأندلس أو عن تلك الأسماء القديمة للبلدات البعيدة نيسبور ،أصفهان ، القسطنطنية و تمبُكتو ، وحتى جامع عمورة هل تفهمونني ؟ كان الوقوف هناك ساحرا بالفعل . هنا الحرية تنوش المساجد أيضا ، روى لي رجل هولندي أنه يذهب للجامع في رمضان،ويفطر مع الصائمين ،وأنه تسعده تحايا أشخاص له رأوه في الجامع ، قال: هذا لايحدث غالبا مع المصلين في الكنيسة ،لن يحيونني فقط لأننا التقينا هناك – أعتقده يبالغ- ،لكن وعلى مايبدو ، كل شيء يبدأ في الجامع ولايتجاوزه ، كل شيء يتم هناك وينتهي ،وكأن حين يغادر المسلمون الجامع تنقطع صلتهم مع الدين المعاملة ،والألفة ،ورؤية الجميع كمستحقين للدعم ،للود وللمبادرة ، لأنه في نهاية 2014 تلقيت ورفيقات السكن هدايا عيد الميلاد ،صناديق تحتوى أشياء بسيطة لها علاقة بالمناسبة مثل السكاكر ، والشُكّلاطة معها أغراض أخرى،مثل حقيبة تنزه ،بطانية صغيرة ،زجاجة لحمل الماء ، وهكذا تلقيناها مسلمات ومسيحيات، في المنزل رقم 80 ، وكان عيد الفطر(عيد السكر كما يسمى بالهولندية) قد حل قبلها ورحل دون أثر .
سُكّر في فنّجالي
كنت أقيم في شقتي حينما أطلت رأس السنة الجديدة 2016 ،ووجدت في صندوق البريد أول كرت يهنئني بأيام عيد الميلاد والعام الجديد ، ورددت التهنئة بالتأكيد بإيداع التهاني في صندوقي البريد لجيراني في الشقة 44 ,والشقة 52 . ثم لاحقا سِكْنت في الشقة الملاصقة لي ، سيدة هولندية شابة من أصول مغربية ،حينما أطل عيد السُكّر طَرقت بابي وباب الشقة 52 ومدت لكل منا تشكيلة شُكّلاطة في فازو مع عيد مبارك على كرت صغير مربوط إلى الغطاء الأنيق ،وكانت تلك أول وآخر مشاركة للساوكر فييست أو عيد السكر أو عيد الفطر ، وأكتشفت أمراً، أنا أيضا لم اتشارك عيد السكر مع أحد ، مامعنى ذلك ؟ ترفّع ،خوف من الرفض ،احتكار للطقس الديني،بلّحق مامعنى ذلك ؟ رغم تأملي وملاحظاتي أنا أيضا لم أنتبه إلى أنني تركت عيد السُكّر ولسنوات يذوب في فنجالي أني بِسّ .
برّا الفترينا
في اطرابلس شتاء 2012 كانت أول مرة أدخل فيها إلى كنيسة سانتا ماريّا بالمدينة القديمة ، البهو الواسع والسقف العالي والأعمدة العملاقة وبطن الكنيسة المطلي بالأبيض ، وكانت هناك ترانيم ،وقفنا قريبا من الباب أنا وحفنة من الأصدقاء ، كنت انصت دون أن انصت حقا ، كنت مأخوذة بهذه الحياة التي عفستها لأول مرة في لبلاد ،وكنت سائحة في كنائس بلادات أخرى زرتها ، ياللغرابة ، لم أطأ أي مزار ديني قبل ذلك ،لو استثنيت الكِتّاب( جامع سيدي عبد لغنيّ ) في العطل المدرسية وذلك حتى الصف الثالث الإبتدائي ، الألواح والدواية من صماغ الصوف كان أبي يحرقها ويجهزها لنا ، ونرفعوا لخميسية لننقدها للسي مجاهد ، نجلس فوق الحصائر في جنان الجامع تحت شجرة توت كبيرة ، كان لطيفا معنا نحن لبنيّات ، فيما يطرقع الصبيان بعصاته الطويلة إن لحَنوا ، لهذا وأنا أكبر لم تكن لدي تشنجات دينية خطرة ،ولم أعتبر نفسي طرفا في شد الحبل بين الديانات والمذاهب، لذا في مطبخ المنزل رقم 80 ,ونحن متحلقين حول الطاولة ، لم أنجّر لمعركة مفتعلة بين نبيّيَن ، كنّا من ديانتين مختلفتين وجنسيات وألوان مختلفة غير أننا جميعنا جئنا من منطقة جغرافية واحدة ،و كنّا تركنا الفترينا ،والطائرات والمودة في سخيبول.
على فكرة في هولندا يصير تاريخ ميلاد الشخص بمثابة كلمة السر (افتح ياسمسم ) ولكن ببعض التأمل كلمة سر حياتنا كلها وتواريخها الرسمية هي (الميلادي) . ميلاد مجيد إيريني ومينا وعام سعيد أعلينا كُلنّا .