نظرية الحِسد (بكسر الحاء)

نظرية الحِسد (بكسر الحاء)

تنّوَه 

مايشبه ترسب التجارب والمعرفة 

سعاد سالم

soadsalem.aut@gmail.com

التشويش يطال الثقافة الحقيقية للمجتمع وهى اللغوة، في رأيي والأمر لا يتعلق بالشوفينية بقرام ،  أن اللغة المحلية وحمولتها الثقافية، هى الهوية، هذا لأن الهوية في رأيي مش ماكلة ولا لبس ، بل كل ماوراء الثقافة المحلية التي انتجت  اللسان الليبي، والأمثال، والحكم، ومن تم أسس التعايش، وكل ما يمس اليومي والمَعاش والمُعاش كواقع يتحدث ويحتاج للمجاراة، والمرونة، لأن الهوية الحقيقية ليست شكلا، بل موضوعا، الهوية هى الإرث اللغوي الذي أنتجه مجتمعنا في فترة أبكر من الآن، حيث التمازج ليس انتقائيا، على الإطلاق، وهذا ما يفسر تيمة ال  نستولوجيا ليست الليبية فقط بل والعالمية أي الحنين للقديم، في كل شيء، وأتصور كل ذلك بسبب سمة الحياة الجديدة في أنها إلى هذا الحد مفتوحة و مرئية ومتنوعة، ومتدفقة، كأن الواحد منا يقف على شاطيء يرى أمامه كيف ترتفع موجة هائلة ويشله الخوف من اكتشافه لضآلته وسينتهي كأي نبتة واهية وبلا جذور، هكذا أجرؤ على وصف الحياة خصوصا في مجتمعات خضعت لمحو الصلة بين المكان ومفردات الناس، التي هى أشبه بالحبل السري، ولكن حتى لا أدوخكم معي، سأذكر هذه المرة موضوعا هو مثار اهتمام بالنسبة لي، بسبب أهمية الخلفية(اللغوة) التي أوجدته، إنه الحِسد، وكما ننطقه بكسر الحاء .

بالرغم من وجود هذه الكلمة بكثرة في المجتمع غير أنها تعامل بنوع من الاستعلاء، كما يعامل السِحر، والعين أو النظرة مع ترسخها في الوجدان الاجتماعي لو صحّ التعبير، ويتم ربطه بالثقافة المتدنية، وقلة الوعي، بل وحتى بالسخرية ممن يعلن أنه محسود مثلا، فهو تابوا بسبب مايثيره الموضوع من تصدع في العلاقات بين الناس،  فالحِسد تزن اجتماعيا ثقل الجناية في لغة القانون، نعم إلى هذا الحد.

بلغة رزينة  : الحسد هو شعور لئيم، وفي علم الروحانيات هو طاقة سلبية، ولكن في بحثي عن تعريف الحسد وجدت تعبيرات مختلفة كلها تنتهي عند هذا المفهوم:

الحسد هو شعور نفسي واجتماعي معقد ينشأ لدى الفرد نتيجة الشعور بالنقص أو عدم الرضا تجاه ما يتمتع به الآخرون من نعم أو مزايا.

هذا الشعور يتسم بمشاعر السخط والألم والغيرة، ويؤدي إلى رغبة داخلية في الحصول على ما لدى الغير أو إلحاق الضرر بهم، بهدف التقليل من فارق التفوق أو التميز.

ولا تكون احسود

بداية الحكمة ماري يمّاري، وأن يفعل الشخص مايفعله شخص آخر، أي أن الحكمة واضحة في مدلولها، إنها تحث على أن يقلد الأشخاص بعضهم بعضا، إن أعجبهم شيء ما في أحد ما ، إفعل مثله ولا تحسده على هذا الشيء الذي ليس عندك، أو أن ماعندك أقل قيمة،

لكن من لاحظ أن الحسد في هذا المقام يشترط المماراة كبديل، وتم التعامل معه كطبيعة بشرية، لها دلالاتها في الحكايات التي تطفو في المجتمع، وفي النصوص الدينية، وأن الحكمة تقترح له حلا، ماري، دير زيه أو نافسه على شيء ما لديه، وعلى ما تريد مثله.

في تصوري أن مشاعر الحسد في هذا المثل الذي سمعته كثيرا، تبدو في تعامل اللغوة معها على أنها تتفهم هذا الشعور، وتقترح له مخرجا،  أن لا تكن حسودا،والتي  لاتنطوي على تهمة بقدر ما فيها من شفقة من المآل في حال لم نغامر، أو نغير تفكيرنا، أو نعمل بجد على مانريد، وبصورة أعمق للمشاعر الانسانية، أتصور أن المماراة هنا ليست في الأشياء المادية، أعني كيف حيماري الفقير الغني، أو من لا يمكنه الإنجاب الذي لدية الذكور والإناث ، أعني أن الحسد الذي يخبرنا به أسلافنا هى المماراة والتنافس فيما بيننا في مزايا لنا سلطة عليها، المماراة فيما يعرف الآن بالقدرات الذاتية، وتطوير الذات، والتركيز على نقاط القوة التي نملكها عوضا عن التركيز على نقاط الضعف فيمن يملكون مالا نملك.

فالمثل أو الحكمة تمنحنا هذه الفرصة للتعرف أكثر على أنفسنا وإجراء التعديلات اللازمة التي تؤهلنا للمنافسة.

يقال أن الحسد أشبه بالغريزة، لأنه وحسب علم النفس التطوري، أنه جزء من محركات الانسان القديم في مشروعه الأهم وهو البقاء، وأنه كما يراه هذا العلم وكما تردده حنّاي في المثل، إنما هو مشروع التنافس والمحرك للتغيير والتطور، أي أن أصله: غريزة أساسية لدى الإنسان كجزء من طبيعته السلوكية والنفسية، وأن له أصول بيولوجية وتطورية، كوسيلة للبقاء والنمو والتنافس على الموارد.

الحِسد كنظام

2006 كنت مع صديقة قديمة، في متجر مانجو أعطي رأيي في ملابس كانت تجربها، لائقة باحتفال سيقام على شرفها كصحفية متميزة، كما كنت هناك في صالة كورنثيا أشاهد صوري تمر على البروجكتر كصديقة مقربة، كما كنت أقف محرجة هناك في الهول الضخم الذي يمتلئ بأهل الصحافة حينها والجهات الراعية، فيما أتلقى ما يشبه الاعتذار والمواساة من زميلات وزملاء، كانت هناك حجة واهية سمّاها المسؤول عن ترشيح صديقتي، العمر، عمري كبير فيما كرمت صديقة عزيزة راحلة مع أنها تكبرني في العمر، لا أعرف ما الذي جعل رئيس الجريدة وقتها يقدم لي هذا العذر، هل تطوع، أم نقل لي ذلك بلسان صديقتي، أم جرأتُ على سؤاله عن المعيار الذي رشح على أساسه من رشح، ولكن في كل الأحوال، حتى برغم عمري الصغير والذي رآه كبيرا على أن أفوز بجائزة تهتم بالمهارات، غير أنني لم أحمل ضغينة على صديقتي، لسبب بسيط، كنت أعرف مصدر الداء، كنت أعرف غريمي، ولم أوجه سهمي تجاه الصديقة التي بدت وقتها وفي كل سلوكها التعويضي وكأنما تعتذر. لذا وأنا أشاهد وضعا مماثلا هذه الأيام وعلى عكس ماتم وقتها بهدوء، علا الضجيج في الصحافة، أشعر بالأسى على أن أحدا لم يركز على جوهر المسألة، وهو المطالبة بشكل واضح بمعرفة المعايير التي تحدد شروط أي تميز كان،معنوي أو مادي ، عوضا عن التركيز على شخص من تم تمييزه، وأن يعود للسؤال عن المعايير قوته كجزء من حق المعرفة والشفافية والمساءلة في أي مكان عمل، وإنه مش حِسد كما اتهمتني نفس الصديقة القديمة والمقربة في موقف لاحق،  لأنني سألت عن المعايير، فالمعايير هي التي لن تجعل أمثالي من الجادين، والذين لايسمحون بتحويل معركتهم من أجل الحق في المعرفة، وحق تكافؤ الفرص الدافع الأساسي للتطوير والتعلم، إلى معركة حاسد ومحسود.

______ ماري يمّاري، بخلق بيئة تسمح به، فبغير ذلك يا أصدقاء، إنما نعزز نظام الحِسد بمفهومه اللئيم، والذي يبرع في صناعته كل من دفع ثمن بقائه (هِنه)، بغير المماراة.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :