نوادر إبراهيم عبدالله
التوقع يقحمني دومًا في خيبة الحظ، أذكر آخر مرة كنت على النافذة أنتظر بعض النسمات فإذا بي أُصفع بورقة هاربة من الاعصار برائحة لم تستطع حاستي تمييزها، غادرت النافذة بعدما أزلت الورقة عن وجهي، أحسست أن في الحدث رسالة، فردت وجهي لأقرأ الورقة، رغم أنني طيلة الفترة الماضية أهرب من الورق وثقله وما يُكتب، وجدت بالسطر الأول عنوانًا مبتورًا، أظن أن الورقة عانت ما عانته مع كائنات الطبيعة حتى استقرت على وجهي، زعزعت فضولي ببحثي عن باقي العنوان، يخبرني حدسي عن قصة مؤلمة تحملها الأسطر الملطخة بالطين، لكنني غير آبهة بالتفاصيل ما أريده الآن فقط العنوان، يكفني لأتوقع ما تؤول إليه نهاية الصفحة.
جلست على عتبة الصالون، أحوم بنظراتي في الفضاء، يا تُرى كيف سيكون شعوري إذا ما كنت ورقة ناقصة؟! كيف سأغدو في عين من يحملني؟! وهل سيشعر بي من داسني على عجل أو مهلٍ؟!.
اشششش! براد الشاي أعادني إلى أرضي، أسرعت نحو المطبخ، نبهتني أعصابي هذه المرة قبل أن أحرق أصابعي بمسكة البراد، لم أجد قطعة القماش التي نمسك بها أواني البوتجاز الساخنة، رحت أفكر في الورقة التي لا زالت بيدي، هل ستتألم إذا ما استخدمتها؟ هل ستسامحني لأنني لم أقدر قيمتها لمجرد أنها لا تحمل عنوانًا؟ حسنًا لن أدخل مع نفسي في دوامة بلا جدوى، سأمسك يد البرّاد بطرف معطفي السميك.
مضى اليوم والساعة تشير إلى الحادية عشر مساءً، ولا زالت الورقة بيدي، ربما سأنام وأحبسها بخزانة طاولتي المكتبية، علَّها تجد سكينتها؛ أعترف كثيرًا أنني سيدة القلق، أحسب حساب ألم القطرة عندما تسقط بفعل الرياح، وأتضجر كلما قفز قط جارنا العجوز وتدحرج بين شقي الحائط القديم، أتضرس عندما أشاهد دعاية معجون الأسنان الحساسة، وأهرب كثيرًا من العوالم الافتراضية لأنني لا أقوى على تحمل صدامها وأخبارها.
أتى الصباح سريعًا، استيقظت على صوت تحطم كأس زجاجية، هرعت إلى أمي بالمطبخ، وجدتها في غاية هدوئها، تُعد الشاي، صابحتها بجمال ابتسامتها ورائحة النعناع أنستني قلقي بشأن قطع الزجاج على الأرض.
بعد منوال الشاي عدت إلى غرفتي، لا زلت قلقة بشان الورقة وماهيتها، ولأنني لست بمزاجٍ يسمح لي بالخروج وشراء صحف اليوم، طالعت النسخ الالكترونية منها، ما صدمني في العناوين كغير عادتها كانت مبشرة، لاااااااا لحظة! هذه الصفحة الصحيفة الأخيرة، ما هذا؟ كيف يمكن أن يحدث هذا؟ ذات العنوان مكتملًا! ذات الورقة عادت إلى الحياة؟! هل أنا مخطئة في عدد اليوم؟ لالا! إنه تاريخ اليوم! رحت أضحك بهستيريا حتى جاءتني أمي والحيرة على وجهها، ماذا هناك؟ هل هناك نكتة جديدة؟
لالا يا أمي، إنها فقط صفعة من المستقبل بعنوانٍ مبتور وأسطر مطيّنة، إنها ورقة قَلِقَة قررت أن تمر بالزمان عكسيًا وتطمئن بقلقي، هكذا أنا يا أمي لا أستطيع السيطرة على جاذبية قلقي؛ كشششش! نسمع مجددًا سقوط آخر وحطام، كأس تقطع قلقي ونواصل أنا وأمي ضحكتنا، ما هذا الصباح!.