بقلم :: هاجر محمد الطيار
وتظل تطحننا رحى الحياة ، تلفنا في مدارات لولبية حد الغثيان ما بين إقبال وإدبار و أخذ وعطاء و يوم لك وآخر عليك ،لنصبح آخرين على غير الهيئة التي عهدنا أنفسنا عليها ، فتطعمنا الحياة ثم تأكلنا ثم تتقيأنا تارة أخرى لنبقى بذات الدائرة ، نسير تحت سلطانها نمشي في طرقاتها الواسعة ، نعبر منخنقاتها الضيقة ، تتغير علينا الأماكن والبشر نمر بمدائن تسكننا تختلط بدمنا وعظمنا تستقر في قلوبنا نغادرها تأبى أن تغادرنا ، وأخرى نمر بها عابري سبيل تلفظنا وتلفظها ذاكرتنا ما أن يغرب ظلنا عن آخر بقعة من أرضها .
نقابل شتى أنواع البشر، البعض نتمسك به ويتمسك بنا يدا بيد حتى آخر العمر فيصبح لنا الولي الحميم والأقرب من أولي القربى وأقرباء الدم ، وآخرين يعبرون فضاءاتنا كألشهب يخطفون أبصارنا وبقية أعمارنا نتعلق بسنا وميضهم الذي ينير لنا زوايانا المظلمة يضيء لنا تلك الأماكن الضيقة التي ما كنا لنراها في أنفسنا بغير عيونهم و نظرتهم الثاقبة،و ما فتؤو يشاركوننا لقمة الفرح ولا تفوتهم موائد أوجاعنا العامرة نحبهم محبة غير مشروطة … محبة بدون لأنهم …. ! ولا .. لو أنهم ….! .
ثم نلتقي بآخرين يأخذون عطرهم وسرعان ما يرحلون يجرفهم تيار التيه و دومات النسيان و بلا عودة .
في كل طريق تشحذنا مجالخ العمر تصقلنا ليظهر المعدن الاصلي فهذا كالماس الخام، يتغيرا شكلا وصلابة و يزداد بريقا كلما تقادم عليه الزمن ، وهذا كالحجر الجيري ما أن تسحله التجربة حتى يصبح غبار تذروه الرياح ، وذاك ككرة الثلج دفئ من نار قليل كفيل بأن يذيبه حد السيلان فيغور في جوف الارض أو يتبخر ويصبح هباء منثورا كأن لم يكن شيء مذكورا .