بعد سنين من المحاولات..  اللغة التباوية  في المدارس الليبية

بعد سنين من المحاولات..  اللغة التباوية  في المدارس الليبية

اعتمادها بناء على القانون رقم 18 لعام 2013

فسانيا : منى توكا

تحديات عدة ونضال في سبيل المحافظة على الإرث اللُغوي من الانقراض خاضها باحثون و مهتمون باللغة التباوية في ليبيا ، فبعد سنين من المحاولات، اللغة التباوية تُمنهج وتُدرس في ليبيا كمادة رسمية بعد اعتمادها بناء على القانون رقم 18 لعام 2013 بشأن حقوق المكونات الثقافية واللُغوية.

اللهجة  التباوية و التي تعتبر واحدة من أعرق اللهجات في ليبيا، ويتحدث بها المنتسبون للقبيلة في خمسة دول، ليبيا وتشاد والنيجر والسودان ومصر بدرجة أقل باتت في كل المدارس المستهدفة اليوم، ووصلها الكتاب المدرسي لتكون ضمن أساسيات المنهج التعليمي في ليبيا.

تعريف باللغة  

وفي هذا الصدد “فسانيا” حاورت الباحث في اللغة والثقافة التباوية و المعد للمنهج حسن بدي محمد الذي تحدث عن اللغة و أفاض ” اللغة التباوية هي إحدى اللغات الحية التي يتحدث بها التبو في منطقة الساحل والصحراء، وهي المنطقة الممتدة من وسط ليبيا شمالاً حتى بحيرة تشاد جنوباً، ومن تخوم السودان شرقاً حتى الجزائر غرباً؛ ومن أهم الأقاليم التي تنتشر فيها التباوية هي: إقليمي فزان والكفرة في ليبيا، وإقليم تبستي وبوركو وأنيدي وكانم في تشاد، وإقليم كوار والصحراء بالنيجر.

وأشار بدي إلى أن غير التبو يتحدثون باللغة التباوية كثير من العرب في ليبيا، خاصّةً في مناطق التّماس في الكفرة وبلدات القطرون الكبرى، بالإضافة إلى العرب العائدين من النيجر وتشاد والمقيمين في كل من الكفرة وسبها وأجدابيا وبنغازي، ويصل تعداد النّاطقين بالتباوية من غير التبو عشرات الآلاف.

 أمّا في النيجر فيتحدث كثير من جيران التبو من الطوارق والكانوري والفلان التباوية. وأمّا في تشاد فتعتبر التباوية من أكثر اللغات الوطنية انتشاراً، إذ تعتبر لغة تواصل بين مجموعات عرقية كثيرة جدّا، وتعتبر لغة أولى لكثير من المجموعات العرقية من غير التبو”

وعن فكرة تدريس اللهجة  التباوية قال الباحث حسن بدي :”

مشروع تدريس اللغة التباوية في ليبيا مطروح منذ العهد السابق، فقد أصدر الأمين المساعد لشؤون الخدمات باللجنة الشعبية العامة للتعليم قرارا تحت رقم (131) لسنة 1430 ميلادية بشأن تدريس بعض اللغات في المدارس العامة في ليبيا، من بينها اللغة التباوية، ولكن لم يتم تنفيذ هذا القرار لأسباب عديدة، أما بعد السّابع عشر من فبراير فقد بدأت فكرة تدريس اللغة التباوية منذ سنة 2012 إذ التقى حينها عددٌ من نشطاء التبو مع مدير إدارة المناهج الدراسية مطالبين بتدريس اللغة التباوية، إلا أنهم لم يلقوا أية استجابة حينذاك.

ثم في سنة 2013 خاطبت الجمعية الليبية للثقافة التباوية وزارة التربية والتعليم بشأن تدريس اللغة التباوية ولكنها لم تتلق أي استجابة”.

وتابع بدي” في أكتوبر سنة 2017 نظم المجلس الأعلى للأمازيغ في ليبيا حملة مناصرة لدعم تدريس اللغة التباوية في مناطق تواجد التبو في ليبيا، ونظمت ورشة عمل لعرض تجربة تدريس اللغة الأمازيغية على نشطاء التبو، وبعد الانتهاء من أعمال الورشة التي استمرت لمدة ثلاثة أيام تم تشكيل لجنة لمتابعة تدريس اللغة التباوية في مناطق التبو، بالفعل قامت اللجنة بمخاطبة مراقبي التعليم بعدد من البلديات والمطالبة بتدريس اللغة التباوية.

وأضاف “بعد ذلك، تولت مراقبة التعليم بالقطرون مخاطبة وزارة التعليم وإدارة المناهج بشأن تدريس اللغة التباوية وتحصلت على الموافقات اللازمة بهذا الخصوص”.

وعن إعداد منهج اللغة  التباوية أجاب بدي” بدأنا بإعداد منهج اللغة التباوية منذ سنة 2013 وفقاً لأحدث معايير إعداد الكتب المنهجية الخاصة بتدريس اللغات، وظل جاهزاً منذ تلك الفترة.

وفي سنة 2017 بعد الموافقة على تدريس اللغة التباوية من قبل وزارة التربية والتعليم تم تقديم المنهج لإدارة المناهج للطباعة.

بالفعل تمت طباعة أول نسخة منها للعام الدراسي 2018 – 2019 ولكن  الكمية احترقت كلها قبل توزيعها على المدارس في حادثة قصف مخازن الكتب، ثم قامت منظمة NDI بطباعة 3000 نسخة جديدة من كتابي الصف الأول والثاني للعام الدراسي 2019-2020، وفي نفس السنة طبعت وزارة التعليم كميات كبيرة للعام الدراسي 2019 -2020 وبدأت تدريس اللغة التباوية فعلياً خلال العام الدراسي 2019 – 2020 في عدد من بلديات الجنوب، وهي:

الشرقية، ومرزق، والقطرون، وأوباري وربيانة.

وفي سؤالنا عن رحلة تدريب وتأهيل مدرسي اللغة التباوية قال بدي ” إن تدريب أول مجموعة من مدرسي اللغة التباوية في ليبيا تم خلال شهر أكتوبر من العام 2019 بمدينة طرابلس، إذ تم تجميع عدد من مدرسي اللغة التباوية من جميع البلديات المستهدفة وهي: الشرقية، والقطرون، وأوباري، ومرزق، وزويلة، وتجرهي، وربيانة، والكفرة. وتم تعليمهم أساسيات اللغة التباوية وتدريبهم على منهج اللغة التباوية”.

وبالعودة إلى تاريخ الكتابة التباوية و حروفها  تحدث بدي قائلا” بدأت الكتابة التباوية في العصر الحديث بشكل منظم في سنة 1862 من قبل الباحث الألماني هنري بارث، ثم الفرنسي بي جوردن في سنة 1935، ثم العلامة الفرنسي شارل لو كير في سنة 1935.

 و تستخدم في كتابة اللهجة التباوية حروف مشتقة من الأبجدية اللاتينية، وتتكون هذه الأبجدية من ثلاثة وثلاثين حرفاً، وهي:( A, Ã, B, Č, D, E, Ê, F, G, H, I, Î, Ĩ, J, K, L, M, N, Ñ, Ŋ, O, Ô, P, R, S, Š, T U, Û, Ũ, W, Y, Z. )

تاريخ اللغة

وأشار إلى أن تبني التبو للأبجدية اللاتينية في كتابة التباوية ليس مسألة عاطفية وإنما مسألة فنية بحثة.

 اللغة التباوية لغة صوتية؛ إذ تكثر فيها الصوتيات لا وجود لها في العربية، عددها في التباوية 12 بينما الصوتيات العربية 6 فقط، إذا ما أردنا كتابة التباوية بالأبجدية العربية ينبغي أن نضيف إليها ستة صوتيات أخرى، وهذا الأمر ليس بالهين. فضلاً عن ذلك، عدد كبير من صوامت التباوية غير موجودة في العربية. وعليه، إذا أردنا كتابة التباوية بالأبجدية العربية لابد من إيجاد صوامت لهذه الأصوات.

 بالإضافة إلى الأسباب الفنية المذكورة أعلاه، هناك أسباب عملية تحُول دون

استعمال غير الأبجدية اللاتينية في كتابة التباوية. من أهمها: تاريخ استعمال هذه الأبجدية الذي تجاوز قرنا ونصف القرن من الزمان.

كما أن التباوية الحديثة لا تعرف غير الأبجدية اللاتينية في كتابتها. فوق كل ذلك، أهم ثلاث مؤسسات أكاديمية تتولى تطوير ونشر التباوية في الوطن التباوي تتبنى هذه الأبجدية، وهذه المؤسسات هي:

-الجمعية الليبية للثقافة التباوية في ليبيا، التي تتبنى الأبجدية اللاتينية منذ تأسيسها في سنة 2011، ونشرت عشرات العناوين بهذه الأبجدية، بالإضافة إلى صحيفة ومجلة تباوية.

كما نشرت وتنشر عشرات المنشورات سواء على صفحتها على شبكة التواصل الاجتماعي الفيس بوك، أو عبر المطويات.

كذلك لجنة تطوير اللغة التباوية في تشاد، تتبنى الأبجدية اللاتينية منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، ونشرت أكثر من عشرين عنواناً باللغة التباوية المكتوبة بالأبجدية اللاتينية، و المعهد الصيفي للُغويات فرع النيجر، نشر أكثر من ثلاثين عنواناً باللغة التباوية المكتوبة بالأبجدية اللاتينية، كذلك مؤسسة ياغابي أصدرت عدداً من الكتب باللغة التباوية المكتوبة بالأبجدية اللاتينية.

بالإضافة إلى هذه المؤسسات الرئيسية الأربعة، هناك مؤسسات أخرى تعتمد الأبجدية اللاتينية في كتابة التباوية، من أهمها: -دار المنى للنشر بتشاد، أصدرت كتاباً أدبياً باللغة التباوية المكتوبة بالأبجدية اللاتينية.

  كما أن دورات تعليم كتابة التباوية التي تقيمها الجمعيات الثقافية التباوية في ليبيا وباقي أرجاء الوطن التباوي تتم بهذه الأبجدية.

و بالعودة إلى المنهج الدراسي و خطة التدريس قال بدي “خطة وزارة التعليم تقضي باستمرار تدريس اللغة التباوية من الصف الأول الابتدائي حتى نهاية المرحلة الثانوية. وصلنا نحن إلى الصف الرابع من مرحلة التعليم الأساسي، خلال العام الدراسي 2022 2023.

و تعتبر اللغة اللهجة وفقاً للخطة الدراسية بإدارة المناهج مادة أساسية فوق المجموع يمتحن فيها الطالب”.

وعن المناطق المستهدفة قال” يستهدف تدريس اللغة التباوية جميع مناطق تواجد التبو في ليبيا حسب الخطة الموضوعة من قبل لجنة متابعة تدريس اللغة التباوية تستهدف البلديات الآتية: بلدية تجرهي، بلدية القطرون، بلدية الشرقية، بلدية زويلة، بلدية مرزق، بلدية أوباري، بلدية سبها، بلدية الكفرة، بلدية ربيانة. ولكن، التدريس الفعلي حالياً يقتصر على، بلديات القطرون، مرزق، أوباري، ربيانة، الشرقية”.

وعن مدى صعوبة اللغة بالنسبة للعرب قال” الكثير من العرب درسوا التباوية في القطرون وأوباري والشرقية، كانت سهلة جدا، وانسجموا كثيرا في تعلمها.

وعن مستقبل اللغة التباوية

أشار بدي “سيكون أفضل من ماضيه وحاضره، ونحن نطمح إلى فتح قسم للغة التباوية في إحدى كليات اللغات بالجامعات الليبية، وأن يتم تعميم تدريسها في مناطق أخرى وجعلها متاحة لكل الليبيين باعتبارها إرثا ليبيا مشتركا لكل الليبيين.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :