عبودة

عبودة

 أحمد عبدالله إسماعيل

في عالم يتغول فيه الغلاء ويكرس وقته وجهده؛ ليصل إلى أعلى المعدلات؛ لعله يدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية في الشراسة، يعمل عبودة باليومية، تتنوع الأعمال التي يقوم بها وتتغير كل يوم على أمل العودة بما يسد رمق أسرته، قال بمجرد ركوبي السيارة وهو يتبسم ضاحكًا :

يا صباح الرضا يا هندسة، الغاز كله وصل.

بابتسامة عفوية استقبلت كلماته وألقيت التحية على كل السادة الركاب على مختلف أعمارهم، شعرت بأنس شديد وهم يسألون عن أخباري، وعن قدم ولدي التي انثنت تحته أثناء خروجه من المدرسة في اليوم السابق، أما عبودة فقد تنهد بضيق شديد وقال إنه يحفر اليوم بمفرده بئر ماء، ربما يتأخر عن موعد عودته المعتاد بعد أن تدخل الشمس في غمد مغربها، ورغم اتفاقه على مبلغ مالي قد يبدو للوهلة الأولى كبيرًا، لكن قائمة المتطلبات المتزايدة التي سمعته يعددها وهو في طريقه إلى العمل تلتهم أضعاف هذا الأجر؛ فأسعار المواد الغذائية الأساسية تتصارع أيها يصل إلى ذروة الارتفاع قبل الأخرى، أما الدروس الخصوصية فلا تزال على قمة هرم المتطلبات، دون أن يجد عبودة من يرأف به أو يحنو عليه!

بينما تتزايد المبادرات لمواجهة هذا الغول، يبقى الأمل في السماء؛ لعلها تجود بما يفتقر إليه الإنسان من رأفة وحنان على أمل أن يأتي الغد بما يثلج الصدر ويطيب الخاطر.

تأملت في حال هذا البسيط الذي لا يسأل الناس إلحافًا، وعند إشارة مرور توقفت السيارة، فإذا برجل غليظ شديد، طويل عريض، سليم حديد، يمد يده ويطلب مساعدة!

رغم بساطة المبلغ الذي أخرجه في كل مرة، امتنعت هذه المرة عن إخراج أي نقود، وتساءلت:

“لماذا يخرج عبودة كل صباح ليواجه معركة شاقة، تمامًا كالغزلان التي تحاول الهرب من الضواري المتربصة، من أجل البقاء، بينما يقف هذا الرجل دون حياء أو خشية يمد يده رغم قدرته على الكسب؟!”

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :