حسام الفنيش
غالبًا ما يُعتبر السلام الإيجابي جزءًا أساسيا من فكر يوهان غالتونغ حول بناء السلام. وهو مفهوم يتجاوز غياب العنف ليشمل العدالة الاجتماعية المساواة، والإصلاحات الهيكلية التي تعالج الجذور العميقة للنزاع. يمكن تطبيق هذه الفكرة على الحالة الليبية التي تمزقها الصراعات المستمرة منذ عام 2011 حيث يعاني الشعب من آثار النزاع السياسي والأمني الذي جعل البلاد في حالة من عدم الاستقرار على المستويين المحلي والدولي.
* السلام الإيجابي في ليبيا.
غالتونغ يشير إلى أن السلام الحقيقي لا يتحقق إلا من خلال التوزيع العادل للموارد وإصلاحات اقتصادية تضمن العدالة الاجتماعية. في ليبيا، على الرغم من غياب القتال في بعض المناطق، لا يزال السلام السلبي هو السائد؛ بمعنى أنه لا توجد حالة من الاستقرار أو العدالة الحقيقية. فاستمرار اللامساواة الاقتصادية حيث يتركز معظم النفط والغاز في بعض المناطق بينما يعاني البعض الآخر من الفقر المدقع، هو أحد الأسباب الرئيسية لعدم الاستقرار. لتحقيق السلام الإيجابي تحتاج ليبيا إلى تنمية مستدامة ومعالجة الفجوات بين المناطق المختلفة، فضلاً عن إقامة نظام اقتصادي يضمن فرصًا متساوية لجميع الليبيين.
* العنف الهيكلي في ليبيا.
في إطار العنف الهيكلي الذي تحدث عنه غالتونغ نجد أن ليبيا تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تساهم في استمرار الانقسامات. فالفقر المدقع والفساد المستشري والتمييز الجهوي، كلها عوامل تخلق بيئة خصبة لاستمرار النزاع. العنف الهيكلي في ليبيا يعكس أن الأسباب العميقة للصراع لا تقتصر على الهجمات العسكرية بل تشمل الهياكل الاقتصادية والسياسية غير العادلة التي تؤدي إلى الاستقطاب الاجتماعي. تلك الهياكل تساهم في استمرار التوترات مما يجعل من الصعب الوصول إلى السلام المستدام.
* تحويل النزاع في ليبيا.
غالتونغ يدعو إلى تحويل النزاع بدلاً من السعي لحله فقط، وهذا يتطلب إصلاحا في العلاقات بين الأطراف المتنازعة. في ليبيا النزاع لا يقتصر على المواجهات العسكرية فحسب بل يشمل أيضا المواجهات السياسية الاقتصادية والاجتماعية.
تحويل النزاع يتطلب أن تتوقف الأطراف في البحث عن مصالحها الذاتية الضيقة وأن تبدأ في بناء السلام الدائم . كما يجب أن تتوافر العدالة الانتقالية التي تعترف بالمظالم السابقة وتعزز الثقة المتبادلة بين الليبيين وهو ما يعزز من التوصل إلى حلول سياسية قابلة للاستمرار.
* التحديات الحالية في ليبيا.
إضافة إلى تلك الديناميكيات المحلية، التدخلات الخارجية أسهمت في تعقيد النزاع الليبي. فقد زادت المصالح الدولية المتناقضة من تعقيد الوضع، مما ساعد على إطالة أمد الصراع. هذا التنافس على المصالح الدولية يعيق بناء السلام في ليبيا، حيث أن الدعم الخارجي لبعض الأطراف يزيد من تعميق الأزمة. ومع ذلك، يبقى الأمل في بناء سلام مستدام إذا تم التركيز على الإصلاحات الهيكلية وإيجاد حلول لتخفيف التوترات السياسية والاجتماعية في البلاد.
بناء على أفكار جون غالتونغ يتضح أن ليبيا بحاجة إلى أكثر من مجرد إنهاء القتال. لتحقيق السلام الإيجابي يجب أن تركز الحلول السياسية على إصلاحات هيكلية تعيد بناء المجتمع والدولة من جديد. يتطلب ذلك معالجة الجذور الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للنزاع وفتح قنوات المصالحة الوطنية الإيجابية ، بالإضافة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة. التحديات التي تواجه ليبيا تتطلب إصلاحات جذرية في النظام السياسي والاقتصادي، وهو ما يجعل من تحقيق السلام المستدام أمرا ممكنًا في المستقبل، شريطة توفر الإرادة السياسية المحلية والدعم الدولي الفعّال.